معنى السنا والسنوت، ولا زال الجهاد خضرا
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: فقه الأطعمة والأشربة -
1- حديث السنا والسنوت، وما المقصود بهما؟
2- حديث السنامكي.
3- لا زال الجهاد خضرًا.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالحديث الأول رواه ابنُ ماجه عن إبراهيم بْنِ أبِي عَبْلَة قالَ: سَمِعْتُ أبا أُبيِّ ابْنَ أمِّ حَرَامٍ - وكانَ قَدْ صلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّه، صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم - القِبْلَتَيْنِ - يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم يقولُ: "علَيْكُمْ بِالسَّنَا وَالسَّنُّوتِ؛ فإنَّ فِيهِما شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إلاَّ السَّامَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وما السَّامُ؟ قَالَ: المَوْتُ".
قال الشيخ الألباني: "صحيح بشواهده".
السنا: نبات كأنَّه الحنَّاء، زهرُه إلى الزُّرقة، وحبُّه مفلطح إلى الطول، وأجوده الحجازي، ويعرف بالسنا المكي؛ كما في "الوسيط"، والسنُّوت: العسل، وقيل: الرُّبُّ، وقيل: الكَمُّون؛ كما في "النِّهاية"، وبالأخير جزم في "الوسيط".
قال ابن القيم في "زاد المعاد": "وأمَّا السنا، ففيه لغتان: المدُّ والقصر، وهو نبْتٌ حجازي، أفضله المكي، وهو دواءٌ شريف مأمون الغائلة، قريب من الاعتِدال، حارٌّ يابس في الدَّرجة الأولى، يسهل الصَّفراء والسَّوداء، ويقوِّي جِرْم القلب، وهذه فضيلةٌ شريفة فيه، وخاصِّيَّته النَّفع من الوسواس السَّوداوي، ومن الشقاق العارض في البدن، ويفتح العضل، وينفع من انتشار الشَّعر، ومن القمَّل والصّداع العتيق، والجرب والبثور، والحكَّة والصرع، وشربُ مائِه مطبوخًا أصْلَحُ من شرْبِه مدقوقًا، ومِقْدار الشرْبة منه ثلاثةُ دراهم، ومن مائِهِ خمسة دراهم، وإن طُبِخ معه شيءٌ من زهر البنفْسَج والزَّبيب الأحْمر المنْزوع العجم، كان أصْلح".
قال الرازي: "السناء والشَّاهْتَرَج يُسهِّلان الأخْلاط المحترقة، وينفعان من الجرب والحكَّة، والشربة من كلِّ واحدٍ منْهُما من أربعةِ دراهمَ إلى سبعةِ دراهم.
وأمَّا السنُّوت، ففيه ثمانية أقوالٍ، أحدها: أنَّه العسل، والثاني: أنَّه ربُّ عكَّة السَّمن يخرج خططًا سوداء على السَّمن، حكاهما عمرو بن بكر السكْسكي، الثَّالث: أنَّه حبٌّ يُشبه الكمون وليس به، قاله ابن الأعرابي، الرَّابع: أنَّه الكمون الكرْماني، الخامس: أنَّه الرازيانج، حكاهُما أبو حنيفة الدينوري عن بعض الأعراب، السَّادس: أنَّه الشبت، السَّابع: أنَّه التَّمر، حكاهُما أبو بكر بن السني الحافظ، الثَّامن: أنَّه العسل الذي يكون في زقاق السَّمن، حكاه عبداللطيف البغدادي، قال بعض الأطبَّاء: وهذا أجْدر بالمعنى، وأقربُ إلى الصَّواب؛ أي: يخلط السناء مدقوقًا بالعسل المخالط للسَّمن، ثم يلعق فيكون أصْلَح منِ استِعْمالِه مفردًا؛ لما في العسَل والسَّمن من إصلاح السنا، وإعانتِه له على الإسهال، والله أعلم". اهـ.
أمَّا السَّنامكِّي، فكما ذكرْنا: أنَّه هو السَّنا المشار إليْه في الحديث السابق.
أمَّا الحديثُ الثَّالث: "لا يزالُ الجهاد حلوًا أخْضر ما قطر القطْر من السماء، وسيأتي على النَّاس زمانٌ يقول فيه قرَّاء منهم: ليس هذا زمانَ جهاد، فمَن أدْرك ذلك الزَّمان، فنِعْم زمان الجهاد" قالوا: يا رسول الله، وأحدٌ يقول ذلك؟! فقال: "نعم، مَن عليه لعْنة الله والملائِكة والنَّاس أجمعين".
رواه أبو عمرٍو الدَّاني في "السنن الواردة في الفتن" (3 / 751) من طريق عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه: "أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال..."، فذكره هكذا مرسلاً، وعبدالرَّحمن ضعيف، قال ابن معين: حديثُه ليس بشيءٍ، وكذا ضعَّفه أحمد وغيره.
ورواه ابنُ عساكر في تاريخه (43 / 347)، في ترجمة عمَّار بن نُصير بن ميْسرة بن أبان، السلمي ثم الظفري، من طريقِه عن عباد بن كثير، يرويه عن يزيد الرقاشي عن أنس مسندًا بلفظ: ((لا يزال الجهاد حلوًا خضرًا ما أمطرت السَّماء وأنبتتِ الأرض، وسينشو نشو من قبل المشرِق يقولون: لا جهادَ ولا رباط، أولئك هم وقودُ النَّار؛ بل رباط يومٍ في سبيلِ الله خيرٌ من عِتْق ألفِ رقبة،ٍ ومن صدقة أهْل الأرْض جميعًا)).
وقد ذكره ابنُ عساكر مستدلاًّ به على ضعْف عمَّار وتوْهينه.
وعباد بن كثير متروكٌ؛ قال الإمام أحمد: "روى أحاديث كذب، لم يسمعها"، ويزيد الرقاشي: ضعَّفه شعبة، وأحمد، وابن مَعين، وغيرهم.
فالحديث لا يصح بطريقيْه.
وقد رواه ابنُ هبة الله في "تاريخ مدينة دمشق" بلفْظٍ قريبٍ من لفظ ابن عساكر، وفي سندِهِما يزيد الرقاشي، وهو ضعيف، قال في "تهذيب الكمال": "قال البخاري: تكلَّم فيه شعبة، وقال إسحاق بن راهويه عن النضْر بن شميل، قال شعبة: لأنْ أقطع الطريق أحبُّ إليَّ مِن أن أروي عن يزيد الرقاشي، وفيه عباد بن كثير متروك، ضعَّفه أحمد وابن معين، وأبو حاتم وأبو زرعة، والنَّسائي والبخاري".
وأخرج أبو يعلى في "مسنده" من طريق بقية بن الوليد، عن علي بن علي، عن يونس، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله، عن ابن مسعود، عنه صلى الله عليه وسلم قال: ((الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، اشتروا على الله، واستقرضوا على الله. قيل: يا رسول الله، كيف نشتري على الله، ونستقرض على الله؟ قال: قولوا: أقرضنا إلى مقاسمنا، وبعنا إلى أن يفتح الله لنا، لا تزالون بخير ما دام جهادكم خضرًا، وسيكون في آخر الزمان قوم يشكون في الجهاد فجاهدوا في زمانهم، ثم اغزوا فإن الغزو ويومئذ أخضر)).
وهذا حديث منكر تفرد به بقية بن الوليد، عن علي بن علي، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، وعلي بن علي هذا هو القرشي، ويقال فيه أيضًا: علي بن أبي على، وهو شيخ لبقية مجهول منكر الحديث كما قال ابن عدي في "الكامل" (5/183)، وانظر "لسان الميزان" (4/245). ويستغرب أن يتفرد علي بهذا الحديث من أحاديث الزهري الإمام المشهور والله أعلم.
وقال محقِّقُ مسندِ أبي يعلى عن الحديثِ: "إسنادهُ ضعيفٌ لانقطاعهِ، عبيداللهِ كان يرسلُ عن ابنِ مسعودٍ، وبقيةُ بنُ الوليدِ مدلِّسٌ وقد عنْعَنَ، وذكرهُ الهيثمي في "المجمع" (5/280) وقال: "رواه أبو يعلى، وفيه بقيةُ بنُ الوليدِ وهو مدلسٌ، وبقيةُ رجاله ثقاتٌ"،، والله أعلم.