حكم كتابة أوجه القراءات على المصحف للتعليم
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: القرآن وعلومه -
ما حكم الكتابة على القرآن الكريم، وذلِكَ بأنْ أَكْتُبَ في القران الكريم أوجُهَ القِراءاتِ في داخِل القُرآن الكريم، لأنَّنِي سَمِعْتُ من بعض الأخَوات بأنَّه لا يَجوزُ الكتابة حتَّى ولو على سبيل التَّعلُّم؟ فما الحكم؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فَقَدْ كَرِهَ كثيرٌ من السَّلف أن يُكْتَبَ شَيْءٌ مِمَّا ليسَ قُرآنًا مُختلطًا بالقُرآن في المصحف، كما كره كثيرٌ منهم خلط كتابة شيء من وجوه القراءات داخل مصحف لقراءة أخرى، واستحبوا تجريدِ المُصْحفِ
والثابت عن الصحابة أنهم لم يدرجوا أكثر من وجه من أوجه القراءة، في نسخة واحدة للمصحف؛ تعظيمًا لتلك القراءات أن تكون إحداها أصلاً، والأخرى فرعًا، ومن ثمَّ كتبوا مصحفًا لكل قراءة؛ من أجل إثبات الكلمات الخلافية التي لا يحتملها رسمٌ واحد.
قال الحليمي -في وجوه تعظيم القرآن-: "ومنها أن لا يُخلَط في المصحف ما ليس من القرآن بالقرآن، كعدد الآيات، والسجدات، والعشرات، والوقوف، واختلاف القراءات، ومعاني الآيات". اهـ. كما في "البرهان في توجيه متشابه القرآن" للكرماني.
وقال السيوطي في كتاب "الإتقان":
- قال يَحيى بن أبي كثير: "ما كانُوا يعْرِفُونَ شيئًا مِمَّا أُحْدِث في المصاحف إلا النُّقط الثَّلاث على رُؤوسِ الآي"؛ أخرجه ابن أبي داود.
- أخرج أبو عُبيدٍ وغيرُه عن ابن مسعودٍ قال: "جرِّدُوا القُرآن ولا تَخلِطوه بشيء".
وأخرج عنِ النَّخعي أنَّه كرِهَ نَقْطَ المصاحف، وعنِ ابْنِ سيرين أنَّه كرِه النَّقط والفواتحَ والخواتِم، وعنِ ابن مَسعودٍ ومُجاهد أنَّهُما كرِهَا التَّعشير.
- وأخرج ابنُ أبي داود عن النخعي أنَّه كان يكرَهُ العواشِر والفواتح وتَصغير المُصْحف، وأن يُكْتَب فيه: سُورة كذا وكذا.
- وأخرج عنه أنَّه أُتِي بمصحفٍ مكتوبٍ فيه سورة كذا وكذا آية فقال: "امح هذا فإنَّ ابْنَ مسعود كان يَكرَهُه".
- وأخرج عنْ أبي العالية أنَّه كان يكْرَهُ الجمل في المصحف وفاتحةَ سورة كذا وخاتمة سورة كذا.
- وقال مالك: "لا بأس بالنَّقْطِ في المصاحف التي تتعلَّم فيها العُلماءُ أمَّا الأمَّهات فلا".
- قال الحليمي: "تُكره كتابةُ الأعْشار والأخْماس وأسْماء السور وعددِ الآيات فيه؛ لقولِه: "جرِّدُوا القُرآن"، وأمَّا النَّقْطُ فيجوز؛ لأنَّه ليس له صورةٌ فيتوهَّم لأجلها ما ليس بقرآنٍ قُرآنًا وإنَّما هي دلالات على هيئةٍ المقروء فلا يَضُرُّ إثباتُها لِمن يَحتاج إليها".
- وقال البيهقي: "من آداب القرآن أن يفخَّم فيُكتَبُ مفرَّجًا بأحسنِ خط؛ فلا يصغَّر ولا تُقَرْمَطُ حُروفه ولا يُخلط به ما ليس منه كعَدَدِ الآيات والسَّجدات والعشرات والوقوف واختلاف القِراءات ومعاني الآيات".
وقال الداني: "لا أَستجيزُ النَّقْطَ بالسَّواد؛ لِما فيه من التَّغيير لصورة الرَّسْمِ، ولا أَستجيزُ جَمعَ قِراءاتٍ شتَّى في مصحفٍ واحدٍ بألوان مُختلفة؛ لأنَّه من أعظم التَّخليطِ والتَّغيير للمرسوم، وأرى أن تَكونَ الحركاتُ والتَّنوينُ والتَّشديدُ والسكون والمدّ بالحُمرة والهمزات بالصفرة".
- وقال الجرجاني من أصحابنا في "الشافي": "من المذموم كتابةُ تفسير كلمات القرآن بين أسطره". اهـ.
قال ابن الحاج في "المدخل": "ومن ذلك أيضًا اختلافهم في شكل المصحف ونقطه وتعشيره، فمنهم مَنْ أنكره وإن كان يتعلَّقُ به المصلحة، هذه المصلحة العظمى التي قد ظهرت في الأمة.
إلى أن قال: وعن حمزة قال: رأى إبراهيم النخعي في مصحف فاتحة سورة كذا فقال امحه فإن عبد الله بن مسعود قال: لا تخلطوا في كتاب الله ما ليس منه". اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أثناء كلامه عن تَحريف أهل الكتاب: "ولِهَذا أَمَرَ الصَّحَابَةُ والعُلَمَاءُ بِتَجْرِيدِ القُرْآنِ وأَنْ لا يُكْتَبَ في المُصْحَفِ غَيْرُ القُرْآنِ فَلا يُكْتَبُ أَسْمَاءُ السُّوَرِ وَلا التَّخْمِيسُ وَالتَّعْشِيرُ وَلا آمِينَ وَلا غَيْرُ ذَلِكَ وَالمَصَاحِفُ الْقَدِيمَةُ كَتَبَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ".
ومما سبق يتبين أنه لا يشرع كتابة أوجه القراءات داخل المصحف، وأن الأفضل والأكمل كتابتها في أوراق أخرى،، والله أعلم.