صلاة الجنازة على مجهول الحال

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الصلاة -
السؤال:

هل يَجب قبل الصَّلاة على الميت أن أتَحرَّى: أكان مُصلِّيًا أم لا؟ وكيف كان حالُه في الدُّنيا؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّ صلاةَ الجنازة على مَجهولِ الحال في بلادِ المسلمين جائزةٌ، وإن كان من أهْل الأهواء والكبائِر والبِدع؛ ما دام من أهْل التَّوحيد، ولم يخرج عنِ الإسلام أو يكفر ببدْعتِه، وكان ظاهره الإسلام، والأصل: إحسانُ الظَّنِّ بالمسلم، وعدَم القَدْح في دينِه ومنهجه بغيْرِ قادح معلوم، ما لَم يقَعْ في أمور مُكفِّرة، وقد وردَ في هذا المعنى أحاديثُ ولكن كلُّها ضعيفة.

قال أبو محمد بن حزم: "قال عطاء: لا أَدَعُ الصَّلاة على مَن قال: لا إله إلا الله؛ قال تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ} [التوبة: 113]، قال عطاء: فمَن يعلم أنَّ هؤلاءِ من أصحاب الجحيم؟! قال ابن جُريج: فسألتُ عمرَو بن دينار، فقال مثلَ قول عطاء، وصحَّ عن إبراهيم النخعي أنَّه قال: لم يكونوا يَحجبونَ الصَّلاة عن أحدٍ من أهْل القبلة، والذي قَتَل نفسَه يُصلَّى عليه، وأنَّه قال: السُّنَّة أن يصلَّى على المرْجوم، فلم يخصَّ إمامًا من غيرِه، وصحَّ عن قتادة: صلِّ على مَن قال: لا إله إلا الله، فإن كانَ رجُلَ سوءٍ جدًّا فقُل: اللَّهُمَّ اغفِر للمسلمين والمُسلِمات، والمؤمِنِين والمؤمنات، ما أعلمُ أحدًا من أهْلِ العِلم اجتنب الصَّلاة على مَن قال: لا إله إلا الله، وصحَّ عن ابنِ سيرين: ما أدركتُ أحدًا يتأثَّم من الصَّلاة على أحدٍ من أهْل القِبْلة، وصحَّ عن الحسن أنَّه قال: يُصلَّى على مَن قال: لا إله إلا الله، وصلَّى إلى القبلة، إنَّما هي شفاعة، ومِن طريق وكيع، عن أبي هِلال، عن أبي غالبٍ، قلتُ لأبي أُمامة الباهلي: الرَّجُل يَشرب الخَمر، أيُصلَّى عليه؟ قال: نعم، لعلَّه اضطجعَ مرَّة على فراشِه فقال: لا إله إلا الله، فغُفِرَ له، وعنِ ابن مسعود: أنَّه سُئِلَ عن رجُلٍ قَتَل نفسَه: أيصلَّى عليْه؟ فقال: لو كان يعقل ما قَتَل نفسَه.

وصحَّ عن الشَّعبي أنَّه قال في رجُلٍ قَتَل نفسَه: "ما ماتَ فيكم مُذ كذَا وكذا أحوجُ إلى استغفارِكُم منْه".

وقد سُئِلَ الشَّيخ مُحمَّد بن إبراهيم، مفتى السعودية الأسبق: إذا شكَّ في إسلامِه كالذين يصلَّى عليْهم في الحرم.
فأجاب: "الأصْل الصلاة عليْه، والأصل فيمَن ينتسِب إلى الإسلام سلامةُ العقيدة، فيصلِّي المسلمون، ويكون حالتُهم واحدة؛ إلا إذا كان يعرف أنَّه كافر".

وقالت اللَّجنة الدَّائمة للبحوث العلميَّة والإفْتاء: "إذا كان المسلم ظاهرًا، مَجهول الحال بالنِّسبة لعقيدتِه، ولَم يُعلم عنه انحراف في عقيدته - صحَّتِ الصلاة وراءَه، وأُكِلت ذبيحتُه.

قال الشَّيخ ابن عثيمين رحِمه الله: "أمَّا مَجهولُ الحال أو المشكوكُ فيه، فيصلَّى عليه؛ لأنَّ الأصل أنَّه مسلم حتَّى يتبيَّن لنا أنَّه ليس بمسلم، و لكن لا بأْسَ إذا كان الإنسانُ شاكًّا في هذا الرَّجُل أن يستثنيَ عند الدُّعاء، فيقول: "اللهمَّ إن كان مؤمنًا، فاغفِر له وارحمه"؛ لأنَّ الاستثناء في الدعاء قد ورد في الَّذين يرمون أزواجَهم، ثم لم يأْتُوا بأربعةِ شُهداء: أنَّ الرَّجل إذا لاعنَ زوجتَه قال في الخامسة: "أنَّ لعنةَ الله عليه إن كان من الكاذبين"، وتقول هي في الخامسة: "أنَّ غضبَ الله عليْها إن كان من الصَّادقين"،، والله أعلم.