هل للمريض أن يتيمم؟

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الطهارة -
السؤال:

هل يَسقط الغُسل عن المريض الذي لا يَستطيع لَمس الماء؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّ الشريعة الإسلاميَّة مبناها على اليُسر ورَفع الحرج؛ قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج: 78].

وفي الصحيحَيْن عن أبي هُريْرة عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلَّم قال: "دعوني ما تركتُكُم، إنَّما هلك مَنْ كان قبلَكُم بِسؤالِهم واختلافِهم على أنبيائِهم، فإذا نَهيتُكم عن شيء فاجتنِبوه، وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأْتُوا منه ما استَطَعْتم"، والله تبارك وتعالى لطيفٌ بِعِباده رحيم بهم، ومن ذلك أنَّه سُبحانَه جعل التَّيمّم بديلاً عن الماء للمريض الذي لا يستطيعُ استِعمال الماء؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُورًا} [النساء: 43]، وقال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء: 29].

وروى أبو داودَ عن جابرٍ قال: خرجْنا في سفر فأصاب رجلاً منَّا حجرٌ فشجَّه في رأسِه، ثُمَّ احتلم فسأل أصحابَه فقال: هل تَجدون لي رُخصةً في التَّيمّم؟ فقالوا: ما نَجِدُ لك رُخصةً وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلمَّا قدِمْنا على النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أُخْبِر بذلك فقال: "قتلوهُ قتلهم الله! ألا سألوا إذْ لَم يعلموا؛ فإنَّما شفاء العيّ السّؤال، إنَّما كان يكفيه أن يتيمَّم".

قال ابنُ قدامة في "المغني": "وإذا كان به قرح أو مرض مَخوف، وأجنبَ، فخشِي على نفسه إن أصابه الماء، غسَلَ الصَّحيح من جسَده، وتيمَّم لِما لَم يُصِبْه الماء... إذا خاف على نفسِه منِ استِعمال الماء، جاز له التَّيمّم، هذا قولُ أكثرِ أهل العِلْم؛ منهم ابن عبَّاس، ومُجاهد، وعِكْرمة، وطاوس، والنَّخعي، وقتادة، ومالك، والشافعي.

وظاهر المذهب: أنَّه يُباح له التَّيمّم إذا خاف زيادةَ المرض، أو تباطُؤَ البُرْء، أو خاف شيئًا فاحشًا، أو ألمًا غَيْر مُحتمل.
وهذا مذهب أبي حنيفة، والقول الثَّاني للشَّافعيّ.

وهو الصحيح؛ لعموم قوله تعالى: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [المائدة: 6]، ولأنَّه يَجوز له التَّيمّم إذا خاف ذَهابَ شيءٍ من ماله، أو ضررًا في نفسه؛ مِنْ لصٍّ، أو سبُع، أو لم يَجِدِ الماء إلا بزيادةٍ على ثَمنِ مِثْله كثيرة؛ فلأنْ يَجوز هاهُنا أوْلى" اهـ مُختصرًا.

وعليه؛ فكلُّ مَن كان مريضًا مرضًا لا يستطيعُ معه استِعْمال الماء كمَن أُجْرِيت له جراحة جاز له التَّيمّم،، والله أعلم.