حكم من يعاني من استمرار خروج الريح والبول

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الطهارة -
السؤال:

أنا في 35 من العمر، وأعاني من مرض القولون وانتفاخ البطن. في بعض الأحيان (باستمرار) أتوضأ أربعَ مرَّات لإقامة الصَّلاة؛ وذلك بِسبَبِ خُروج الرِّيح المُتواصِل، وفي أغلب الأوقات يَخرج منّي بعض القَطَرات من البول وكأنَّه لا ينقطع حتَّى يزول تمامًا ثُم أقوم لأتوضَّأ وأصلّي والشيء الَّذي يَجعَلُني أغيّر التبَّان لعدّة مرَّات. فهلْ يَجوزُ لي التَّيمُّم؟ أم أطّهر حتَّى تول المنقضات؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّ خروجَ الرّيح ناقضٌ من نواقض الوُضوء، وإذا حصل ذلِك للمصلّي أثناءَ صلاتِه بَطَلَتِ الصلاة؛ لانتِقاض الطَّهارة التي هي شرطٌ من شروط صِحَّة الصَّلاة، وهذا إذا كان خروج الرّيح طبيعيًّا، أمَّا إذا كان الخروج مستمِرًّا – كما هو الحال في السؤال- بِحيثُ لا يَنقطِعُ فترةً معيَّنة تتمكَّن فيها من الطَّهارة وأداء الصَّلاة في وقتِها، فحُكْمُه حكْمُ سَلَس البَول، فتتوضَّأ بعد دخول الوقت، وتصلّي حتَّى لو خَرَجَ مِنْكَ الرّيح، وقد سَبَقَ بيانُ حُكْمِه في الفتويين: "حكم استطلاق الريح"، "طريقة الاستبراء من البول".

وعليه؛ فإنْ كان خروجُ الرّيح مُستَمِرًّا بِحَيْثُ لا يوجدُ وقتٌ يَنْقَطِعُ فيه، فإنَّك تتوضَّأ لِكُلِّ صلاة بَعْدَ دُخُولِ وقْتِها وتُصَلِّي بِهذا الوضوء الفريضةَ وما شِئْتَ بَعْدَها من نوافل، ولا يضرُّك ما خرج من الرّيح ولو كان ذلك أثناءَ الوضوء أو الصلاة، ما لم تكن قد تعمَّدت إخراجَها، ولا يَجوز لك التيمّم إلا إذا انعَدَم الماء.

قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله في "مَجموع الفتاوى": "فمَنْ لم يُمكِنْه حفظُ الطهارة مقدارَ الصلاة، فإنَّه يتوضَّأ ويصلّي ولا يضرّه ما خرج منه في الصلاة، ولا ينتقض وضوؤُه بِذَلك باتّفاق الأئمَّة، وأكثرُ ما عليه أن يتوضَّأ لكلّ صلاة". اهـ.

وقد جاء في فتاوى اللَّجنة الدائمة: "الأصل أنَّ خروج الرّيح ينقُض الوضوء، لكن إذا كان يَخرج من شخصٍ باستِمرار وجَبَ عليه أن يتوضّأ لكلّ صلاةٍ عند إرادة الصلاة، ثُمَّ إذا خَرَجَ منهُ وهو في الصلاة لا يُبْطِلُها وعليْهِ أن يستمرَّ في صلاتِه حتَّى يُتِمَّها، تيسيرًا من الله تعالى لعبادِه ورفعًا للحَرَج عنهم، كما قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: 185]، وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].

أمَّا إن كان هناك وقتٌ يَنقطِعُ فيه خُروجُ الرّيح بِحَيْثُ تتمكَّن منَ الوضوء والصَّلاة فيه، ففي هذه الحالةِ عليْك أن تتوضَّأ وتُصلّي في الوقت الذي ينقطع فيه، حتَّى تتدارك ما قبلَ خروجه، ولو أدَّى ذلك إلى تَرْكِك للجماعة في المسجد؛ لأنَّ مُراعاة شرط الطَّهارة مقدَّم على شهود الجماعة، وهذه الحالة يُسْتَثْنى فيها وجوبُ الجماعة فيُحْكَم بِسقوطها عن الإنسان إذا كان معه سلسُ الريح أو البول، بِحيث يستطيع أن يصلي؛ ولكن في وقتٍ ضيّق لا يسعُه معه أن يَمكث في المسجد و{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
أمَّا قطراتُ البَول التي تَخرُج منك فحُكْمُها حُكْم الرّيح من حيثُ انقطاعُه أو استمرارُه، وبِمُراجعتِك للفَتوى المشار إليها يُمكِنُك معرفةُ المزيد في هذا الأمر.

ونخشى أيها الأخ الكريم أن يكون معك وسواس تتخيل معه هذا الذي ذكرته في سؤالك، فإن كان الأمر كذلك فننصحك بمراجعة طبيب نفسي موثوق،، والله أعلم.