زواج السَّجين

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الزواج والطلاق -
السؤال:

هلْ يَجوزُ للمَأْذونِ أن يُزَوّج سجينًا مَحكومًا عليه بـ 8 سنين من امرأةٍ خارج السجن مع مُوافقَتِها على ذلك، علمًا أنَّه لن يَكون مُتواجِدًا عند كِتابة عقْدِ النّكاح؟ وما هي الشّروط اللازمة للعقد؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فلا مانعَ شرعًا من تزوُّج المسلم السَّجين، فإذا توافَرَتْ شُروط صحَّة الزَّواج، وكانتِ المرأةُ وأولياؤُها عالِمين بِحالِه وموافِقين على زواجِه بِها، وكان عنده ما يُنْفِق به عليْها أو كانت مُسامِحةً له في حقّها في النفقة، ولا يُشْتَرط وجودُ الزَّوج أثناءَ إجراء عقْدِ النّكاح، فيمكنه أن يوكّل مَن يتولَّى عقْد الزَّواج نِيابةً عنه، فقد ذهب الفُقهاء إلى جوازِ توكيل الغائبِ غيرَه في العقود والتَّصرّفات التِي يَملك الموكّل إبرامها، كما أجازوا الوِكالة بالخصومة في سائر الحقوق وإيفائها.

قال ابن قدامة في "المغني": "يَجوز التَّوكيل في عقْد النّكاح في الإيجاب والقبول; لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلَّم وكَّل عمْرَو بنَ أُمَيَّة, وأبا رافعٍ, في قبول النّكاح له، ولأنَّ الحاجة تدعو إليه, فإنَّه ربَّما احتاج إلى التزوّج من مكان بعيد, لا يُمكِنُه السَّفر إليه, فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تزوَّج أمَّ حبيبة, وهي يومئذ بأرض الحبشة".

أمَّا شروط النّكاح والتي إذا تحقَّقت صحَّ النّكاح فهي:
1- وجود وليٍّ لِلمرأة؛ لحديث: "لا نِكاحَ إلا بولي" (رواهُ أحمدُ وأبو داود والتّرمذي)، وقال صلى الله عليه وسلم: "أيّما امرأةٍ نُكِحَتْ بِغَيْر إذْنِ ولِيّها فنِكاحُها باطلٌ فنِكاحُها باطل فنِكاحُها باطل.." (رواه أبو داود والترمذي وصحَّحه الألباني).

2- الإشهاد على الزَّواج؛ لحديث: "لا نِكاح إلا بولي وشاهدَيْ عدل" (صحيح ابْنِ حبَّان).

3- تَعيين الزَّوجيْنِ ورِضا كلٍّ مِنْهما.
4- الإيجاب والقبول.
5- المهر، ولو كان يسيرًا.
6- خلو الزَّوْجَين من موانع النكاح.
فإذا تَحقَّقتْ هذِه الشّروط فالعَقْدُ صحيح.

هذا؛ وإنْ كنَّا نَنصَح العَروس بأنَّ الزَّواجَ من رجُلٍ على هذه الحال لن يتحقَّق معه بعْضُ مقاصد الشَّرع، والتِي شُرِعَ الزَّواج من أجلها؛ من السَّكن والاستِقْرار لكلٍّ من الزَّوجين؛ قال سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]، وقد يترتَّب على ذلك وقوعُ الطلاق، فالَّذي نَراه لك هو الصَّبر حتَّى يُيَسّر الله لكِ الزَّواج منه طليقًا، أوِ الزَّواج من غيرِه من صالِحِي المؤمنين، بل ولعلَّ أن يكون زواجُكِ من غَيْره أصلحَ لك، وتذكَّري قولَ الله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

أمَّا إن كان المَقصود "بالسَّجين" الأسير بدار الحَرْبِ، فظاهرُ كلامِ أحْمد والزُّهريّ والحَسَن وغيْرِهِم أنَّه لا يَحِلُّ له التَّزوّج ما دام أسيرًا؛ قال البُهُوتي: "فظاهره ولو لضرورةٍ كما هو مُقْتَضى كلام المنتهى"،، والله أعلم.