الدعاء بِجاه النَّبيِّ وبسرِّ الفاتحة

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: العقيدة الإسلامية - الذكر والدعاء -
السؤال:

ما حُكْمُ نصِّ هذا الدُّعاء: "اللهم صلِّ على سيِّدنا مُحمَّد، صلاةَ عبدٍ قلَّتْ حيلتُه، ورسولُ الله وسيلتُه، وأنت لها -يا إلهي- ولكلِّ كرْبٍ عظيم، ففرِّجْ عنَّا ما نَحنُ فيه، بِجاه النَّبيِّ وبسرِّ الفاتحة

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن هذا الدعاء لا يَجوزُ؛ لاشتِماله على مَحذورين:

الأول: التَّوسُّل بِجاه النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: وهُو لم يرِدْ عن أحدٍ من السَّلف، والدُّعاءُ من أجلِّ القُرَب وأعظم العبادات؛ كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "الدُّعاء هو العبادة"، والعِبادةُ مبناها على التَّوقيف، فلا يشْرع منها إلا ما شرَعه الله ورسولُه صلَّى الله عليْه وسلَّم لقولِه صلَّى الله عليْه وسلَّم: "مَن أحدَث في أمرِنا هذا ما ليسَ منْه، فهُو ردّ" (متَّفقٌ عليْه)، وقولِه: "مَن عمِل عملاً ليْس عليْه أمرُنا، فهُو ردٌّ" (رواه مسلم).

فلا يَجوز التَّوسُّل بِجاه النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا بِجاه غيرِه؛ لأنَّ هذا بدعةٌ لا دليلَ عليْه؛ قال شيْخ الإسلام ابن تيمية رحِمه الله: "جاهُ المخلوق عند الخالق تعالى ليس كجاه المخلوق عند المخلوق؛ فإنَّه لا يشفع أحدٌ عندَه إلا بإِذْنِه، والمخلوق يشفع عند المخلوق بغير إذْنِه، فهو شريكٌ له في حصول المطلوب، والله تعالى لا شريكَ له". اهـ.

وقد أمرنا الله سبحانَه أن ندعُوَه، ولم يأمرنا أن ندعُوَه بِجاه أحدٍ؛ قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ} [الأعراف: 55]، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر: 14]، كما أمرنا أن ندعُوه بأسمائِه سبحانه فقال: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180].
وأمَّا ما رُوِي: "إذا سألتُم الله فاسألوه بجاهي، فإنَّ جاهي عند الله عظيم"، فحديث مكذَّب، ليس في شيءٍ من كتُب المسلمين التي يَعتمِد عليْها أهلُ الحديث، ولا ذَكَرَه أحدٌ من أهْلِ العِلم بالحديث؛ كما قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة رحِمه الله.

قال سماحة الشيخ ابنُ باز: "(بجاه النَّبيِّ): فهذا ليس من الشِّرك، ولكنَّه بدعةٌ عند جُمهور أهل العلْم، ومن وسائل الشِّرك؛ لأنَّ الدعاء عبادةٌ، وكيفيَّته من الأمور التوقيفيَّة، ولم يثبتْ عن نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم ما يدلُّ على شرعيَّةِ أو إباحةِ التوسُّل بِحقِّ أو جاهِ أحدٍ من خلقه، فلا يَجوز للمسلم أن يُحْدِث توسُّلاً لم يشرعْه الله سبحانه لقوْل الله سبحانه وتعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، وقولِ النَّبيِّ صلى الله عليْه وسلَّم: "مَن أحدَث في أمرِنا هذا ما ليس منه، فهُو ردٌّ" (متَّفق على صحَّته)، وفي روايةٍ لمسلم، وعلَّقها البخاري في "صحيحِه" جازمًا بِها: "مَن عمِل عملاً ليْس عليْه أمرُنا، فهو رد"، ومعنى قوله: ((فهو رد)): أي مردودٌ على صاحبِه، لا يُقْبَل منه، فالواجب على أهْل الإسلام التقيُّد بِما شرعه الله، والحذَر ممَّا أحدثه النَّاس من البدَع، أمَّا التوسُّل المشروع، فهو: التوسُّل بأسْماء الله وصفاتِه، وبتوحيدِه، وبالأعمال الصَّالحات، والإيمانِ بالله ورسولِه، ومحبَّةِ الله ورسوله، ونَحوِ ذلك من أعمال البرِّ والخيْر، ويلحق بالتوسُّل المشروع التوسُّلُ بدُعاء الحي وشفاعتِه؛ كما ثبتَ في (صحيح البخاري) رحِمه الله عن أنسٍ رضي الله عنْه: "أنَّ عُمر بن الخطَّاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا، استَسْقى بالعبَّاس بن عبدالمطَّلب، وقال: "اللَّهمَّ إنَّا كنَّا نستسقي إليْكَ بنبيِّنا فتسقينا، وإنَّا نتوسَّل إليك بعمِّ نبيِّنا، فاسِقنا"، فيُسْقَون". اهـ.

المحذور الثاني: التوسُّل بسرِّ الفاتحة: كقوْل الشَّخص: "اللَّهُمَّ بسرِّ الفاتِحة اغفر لي"، فالواجب اجتنابُه؛ لأنَّها لم ترِدْ عن السَّلف، ولو كان خيرًا لسبقونا إليْه،، والله أعلم.