رسالة في التوسل والوسيلةالجزء السابع عشر.
ابن تيمية
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
السؤال: رسالة في التوسل والوسيلةالجزء السابع عشر.
الإجابة: وقال بعض السلف: إذا قال لك السائل: بارك الله فيك، فقل: وفيك
بارك الله، فمن عمل خيرًا مع المخلوقين سواء كان المخلوق نبياً أو
رجلاً صالحاً أو ملكاً من الملوك أو غنيا من الأغنياء، فهذا العامل
للخير مأمور بأن يفعل ذلك خالصاً لله يبتغى به وجه الله، لا يطلب به
من المخلوق جزاءً ولا دعاءً ولا غيره، لا من نبى ولا رجل صالح ولا من
الملائكة، فإن الله أمر العباد كلهم أن يعبدوه مخلصين له
الدين.
وهذا هو دين الإسلام الذى بعث الله به الأولين والآخرين من الرسل، فلا يقبل من أحد ديناً غيره، قال تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }[آل عمران: 85]، وكان نوح وإبراهيم وموسى والمسيح وسائر أتباع الأنبياء ـ عليهم السلام ـ على الإسلام، قال نوح: { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }[يونس: 72]، وقال عن إبراهيم: { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }[البقرة: 130: 132]، وقال موسى:{ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ }[يونس: 84]، وقالت السَّحَرَةُ: { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ }[الأعراف: 126] ، وقال يوسف: { تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }[يوسف: 101]، وقال تعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ }[المائدة: 44]، وقال عن الحواريين: { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ }[المائدة: 111].
ودين الإسلام مبنى على أصلين: أن نعبد الله وحده لا شريك له، وأن نعبده بما شرعه من الدين وهو ما أمرت به الرسل، أمر إيجاب أو أمر استحباب، فيعبد فى كل زمان بما أمر به فى ذلك الزمان. فلما كانت شريعة التوراة محكمة كان العاملون بها مسلمين، وكذلك شريعة الإنجيل.
وكذلك فى أول الإسلام لما كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى إلى بيت المقدس كانت صلاته إليه من الإسلام، ولما أمر بالتوجه إلى الكعبة كانت الصلاة إليها من الإسلام، والعدول عنها إلى الصخرة خروجاً عن دين الإسلام. فكل من لم يعبد الله بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم بما شرعه الله، من واجب ومستحب، فليس بمسلم.
ولابد فى جميع الواجبات والمستحبات أن تكون خالصة لله رب العالمين، كما قال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }[البينة: 4، 5]، وقال تعالى: { تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ ُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ }[الزمر: 1 ـ 3].
فكل ما يفعله المسلم من القرب الواجبة والمستحبة، كالإيمان بالله ورسوله والعبادات البدنية والمالية ومحبة الله ورسوله والإحسان إلى عباد الله بالنفع والمال، هو مأمور بأن يفعله خالصاً لله رب العالمين، لا يطلب من مخلوق عليه جزاء: لا دعاء ولا غير دعاء، فهذا مما لا يسوغ أن يطلب عليه جزاء، لا دعاء ولا غيره.
وأما سؤال المخلوق غير هذا فلا يجب بل ولا يستحب إلا فى بعض المواضع، ويكون المسؤول مأموراً بالإعطاء قبل السؤال، وإذا كان المؤمنون ليسوا مأمورين بسؤال المخلوقين فالرسول أولى بذلك صلى الله عليه وسلم فإنه أجل قدراً وأغنى بالله عن غيره، فإن سؤال المخلوقين فيه ثلاث مفاسد :
مفسدة الافتقار إلى غير الله، وهى من نوع الشرك.
ومفسدة إيذاء المسؤول وهى من نوع ظلم الخلق.
وفيه ذل لغير الله وهو ظلم للنفس. فهو مشتمل على أنواع الظلم الثلاثة، وقد نزه الله رسوله عن ذلك كله.
وحيث أمر الأمة بالدعاء له فذاك من باب أمرهم بما ينتفعون به، كما يأمرهم بسائر الواجبات والمستحبات، وإن كان هو ينتفع بدعائهم له فهو أيضا ينتفع بما يأمرهم به من العبادات والأعمال الصالحة، فإنه ثبت عنه فى الصحيح أنه قال: " "، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الداعى إلى ما تفعله أمته من الخيرات، فما يفعلونه له فيه من الأجر مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء.
ولهذا لم تجرِ عادة السلف بأن يهدوا إليه ثواب الأعمال؛ لأن له مثل ثواب أعمالهم بدون الإهداء من غير أن ينقص من ثوابهم شيء. وليس كذلك الأبوان، فإنه ليس كل ما يفعله الولد يكون للوالد مثل أجره، وإنما ينتفع الوالد بدعاء الولد ونحوه مما يعود نفعه إلى الأب، كما قال فى الحديث الصحيح: " ". فالنبى صلى الله عليه وسلم ـ فيما يطلبه من أمته من الدعاء ـ طلبه طلب أمر وترغيب، ليس بطلب سؤال. فمن ذلك أمره لنا بالصلاة والسلام عليه، فهذا أمر الله به فى القرآن بقوله: { صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[الأحزاب: 56] ،.
والأحاديث عنه فى الصلاة والسلام معروفة. ومن ذلك أمره بطلب الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود، كما ثبت فى صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: " "، وفى صحيح البخارى عن جابر، عن النبى صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: " "، فقد رغب المسلمين فى أن يسألوا الله له الوسيلة، وبيَّن أن من سألها له حلت له شفاعته يوم القيامة، كما أنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه عشراً، فإن الجزاء من جنس العمل.
ومن هذا الباب الحديث الذى رواه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه وابن ماجه أن عمر بن الخطاب استأذن النبى صلى الله عليه وسلم فى العمرة فأذن له ثم قال: " "، فطلب النبى صلى الله عليه وسلم من عمر أن يدعو له كطلبه أن يصلى عليه، ويسلم عليه، وأن يسأل الله له الوسيلة والدرجة الرفيعة، وهو كطلبه أن يعمل سائر الصالحات، فمقصوده نفع المطلوب منه والإحسان إليه. وهو صلى الله عليه وسلم أيضاً ينتفع بتعليمهم الخير وأمرهم به، وينتفع أيضاً بالخير الذى يفعلونه من الأعمال الصالحة ومن دعائهم له.
ومن هذا الباب قول القائل: إنى أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتى ؟ قال: " " قال: الربع ؟ قال: " " قال: النصف ؟ قال: " " قال: الثلثين ؟ قال: " " قال: أجعل لك صلاتى كلها ؟ قال: " " رواه أحمد فى مسنده والترمذى وغيرهما.
وقد بسط الكلام عليه فى [جواب المسائل البغدادية]. فإن هذا كان له دعاء يدعو به، فإذا جعل مكان دعائه الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم كفاه الله ما أهمه من أمر دنياه وآخرته، فإنه كلما صلى عليه مرة صلى الله عليه عشراً، وهو لو دعا لآحاد المؤمنين لقالت الملائكة: (آمين، ولك بمثله) فدعاؤه للنبى صلى الله عليه وسلم أولى بذلك.
ومن قال لغيره من الناس: ادع لى ـ أو لنا ـ وقصده أن ينتفع ذلك المأمور بالدعاء وينتفع هو أيضا بأمره، ويفعل ذلك المأمور به كما يأمره بسائر فعل الخير، فهو مقتد بالنبى صلى الله عليه وسلم، مؤتم به، ليس هذا من السؤال المرجوح.
وأما إن لم يكن مقصوده إلا طلب حاجته لم يقصد نفع ذلك والإحسان إليه، فهذا ليس من المقتدين بالرسول المؤتمين به فى ذلك، بل هذا هو من السؤال المرجوح الذى تركه إلى الرغبة إلى الله ورسوله أفضل من الرغبة إلى المخلوق وسؤاله. وهذا كله من سؤال الأحياء السؤال الجائز المشروع.
وهذا هو دين الإسلام الذى بعث الله به الأولين والآخرين من الرسل، فلا يقبل من أحد ديناً غيره، قال تعالى: { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }[آل عمران: 85]، وكان نوح وإبراهيم وموسى والمسيح وسائر أتباع الأنبياء ـ عليهم السلام ـ على الإسلام، قال نوح: { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }[يونس: 72]، وقال عن إبراهيم: { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }[البقرة: 130: 132]، وقال موسى:{ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ }[يونس: 84]، وقالت السَّحَرَةُ: { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ }[الأعراف: 126] ، وقال يوسف: { تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }[يوسف: 101]، وقال تعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ }[المائدة: 44]، وقال عن الحواريين: { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ }[المائدة: 111].
ودين الإسلام مبنى على أصلين: أن نعبد الله وحده لا شريك له، وأن نعبده بما شرعه من الدين وهو ما أمرت به الرسل، أمر إيجاب أو أمر استحباب، فيعبد فى كل زمان بما أمر به فى ذلك الزمان. فلما كانت شريعة التوراة محكمة كان العاملون بها مسلمين، وكذلك شريعة الإنجيل.
وكذلك فى أول الإسلام لما كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى إلى بيت المقدس كانت صلاته إليه من الإسلام، ولما أمر بالتوجه إلى الكعبة كانت الصلاة إليها من الإسلام، والعدول عنها إلى الصخرة خروجاً عن دين الإسلام. فكل من لم يعبد الله بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم بما شرعه الله، من واجب ومستحب، فليس بمسلم.
ولابد فى جميع الواجبات والمستحبات أن تكون خالصة لله رب العالمين، كما قال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }[البينة: 4، 5]، وقال تعالى: { تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ ُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ }[الزمر: 1 ـ 3].
فكل ما يفعله المسلم من القرب الواجبة والمستحبة، كالإيمان بالله ورسوله والعبادات البدنية والمالية ومحبة الله ورسوله والإحسان إلى عباد الله بالنفع والمال، هو مأمور بأن يفعله خالصاً لله رب العالمين، لا يطلب من مخلوق عليه جزاء: لا دعاء ولا غير دعاء، فهذا مما لا يسوغ أن يطلب عليه جزاء، لا دعاء ولا غيره.
وأما سؤال المخلوق غير هذا فلا يجب بل ولا يستحب إلا فى بعض المواضع، ويكون المسؤول مأموراً بالإعطاء قبل السؤال، وإذا كان المؤمنون ليسوا مأمورين بسؤال المخلوقين فالرسول أولى بذلك صلى الله عليه وسلم فإنه أجل قدراً وأغنى بالله عن غيره، فإن سؤال المخلوقين فيه ثلاث مفاسد :
مفسدة الافتقار إلى غير الله، وهى من نوع الشرك.
ومفسدة إيذاء المسؤول وهى من نوع ظلم الخلق.
وفيه ذل لغير الله وهو ظلم للنفس. فهو مشتمل على أنواع الظلم الثلاثة، وقد نزه الله رسوله عن ذلك كله.
وحيث أمر الأمة بالدعاء له فذاك من باب أمرهم بما ينتفعون به، كما يأمرهم بسائر الواجبات والمستحبات، وإن كان هو ينتفع بدعائهم له فهو أيضا ينتفع بما يأمرهم به من العبادات والأعمال الصالحة، فإنه ثبت عنه فى الصحيح أنه قال: " "، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الداعى إلى ما تفعله أمته من الخيرات، فما يفعلونه له فيه من الأجر مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء.
ولهذا لم تجرِ عادة السلف بأن يهدوا إليه ثواب الأعمال؛ لأن له مثل ثواب أعمالهم بدون الإهداء من غير أن ينقص من ثوابهم شيء. وليس كذلك الأبوان، فإنه ليس كل ما يفعله الولد يكون للوالد مثل أجره، وإنما ينتفع الوالد بدعاء الولد ونحوه مما يعود نفعه إلى الأب، كما قال فى الحديث الصحيح: " ". فالنبى صلى الله عليه وسلم ـ فيما يطلبه من أمته من الدعاء ـ طلبه طلب أمر وترغيب، ليس بطلب سؤال. فمن ذلك أمره لنا بالصلاة والسلام عليه، فهذا أمر الله به فى القرآن بقوله: { صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[الأحزاب: 56] ،.
والأحاديث عنه فى الصلاة والسلام معروفة. ومن ذلك أمره بطلب الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود، كما ثبت فى صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: " "، وفى صحيح البخارى عن جابر، عن النبى صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: " "، فقد رغب المسلمين فى أن يسألوا الله له الوسيلة، وبيَّن أن من سألها له حلت له شفاعته يوم القيامة، كما أنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه عشراً، فإن الجزاء من جنس العمل.
ومن هذا الباب الحديث الذى رواه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه وابن ماجه أن عمر بن الخطاب استأذن النبى صلى الله عليه وسلم فى العمرة فأذن له ثم قال: " "، فطلب النبى صلى الله عليه وسلم من عمر أن يدعو له كطلبه أن يصلى عليه، ويسلم عليه، وأن يسأل الله له الوسيلة والدرجة الرفيعة، وهو كطلبه أن يعمل سائر الصالحات، فمقصوده نفع المطلوب منه والإحسان إليه. وهو صلى الله عليه وسلم أيضاً ينتفع بتعليمهم الخير وأمرهم به، وينتفع أيضاً بالخير الذى يفعلونه من الأعمال الصالحة ومن دعائهم له.
ومن هذا الباب قول القائل: إنى أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتى ؟ قال: " " قال: الربع ؟ قال: " " قال: النصف ؟ قال: " " قال: الثلثين ؟ قال: " " قال: أجعل لك صلاتى كلها ؟ قال: " " رواه أحمد فى مسنده والترمذى وغيرهما.
وقد بسط الكلام عليه فى [جواب المسائل البغدادية]. فإن هذا كان له دعاء يدعو به، فإذا جعل مكان دعائه الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم كفاه الله ما أهمه من أمر دنياه وآخرته، فإنه كلما صلى عليه مرة صلى الله عليه عشراً، وهو لو دعا لآحاد المؤمنين لقالت الملائكة: (آمين، ولك بمثله) فدعاؤه للنبى صلى الله عليه وسلم أولى بذلك.
ومن قال لغيره من الناس: ادع لى ـ أو لنا ـ وقصده أن ينتفع ذلك المأمور بالدعاء وينتفع هو أيضا بأمره، ويفعل ذلك المأمور به كما يأمره بسائر فعل الخير، فهو مقتد بالنبى صلى الله عليه وسلم، مؤتم به، ليس هذا من السؤال المرجوح.
وأما إن لم يكن مقصوده إلا طلب حاجته لم يقصد نفع ذلك والإحسان إليه، فهذا ليس من المقتدين بالرسول المؤتمين به فى ذلك، بل هذا هو من السؤال المرجوح الذى تركه إلى الرغبة إلى الله ورسوله أفضل من الرغبة إلى المخلوق وسؤاله. وهذا كله من سؤال الأحياء السؤال الجائز المشروع.