رسالة في التوسل والوسيلةالجزء الخامس الثلاثون.
ابن تيمية
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
السؤال: رسالة في التوسل والوسيلةالجزء الخامس الثلاثون.
الإجابة: ولهذا كان أهل العلم بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم، وإن
كان غالب ما يصححه فهو صحيح، لكن هو في المصححين بمنزلة الثقة الذى
يكثر غلطه، وإن كان الصواب أغلب عليه.
وليس فيمن يصحح الحديث أضعف من تصحيحه، بخلاف أبى حاتم بن حبان البستى، فإن تصحيحه فوق تصحيح الحاكم وأجل قدراً، وكذلك تصحيح الترمذى والدارقطنى وابن خزيمة وابن منده وأمثالهم فيمن يصحح الحديث.
فإن هؤلاء وإن كان في بعض ما ينقلونه نزاع، فهم أتقن في هذا الباب من الحاكم، ولا يبلغ تصحيح الواحد من هؤلاء مبلغ تصحيح مسلم، ولا يبلغ تصحيح مسلم مبلغ تصحيح البخارى، بل كتاب البخارى أجل ما صنف في هذا الباب. والبخارى من أعرف خلق الله بالحديث وعلله مع فقهه فيه، وقد ذكر الترمذى أنه لم ير أحداً أعلم بالعلل منه؛ ولهذا كان من عادة البخارى إذا روى حديثا اختلف في إسناده أو في بعض ألفاظه، أن يذكر الاختلاف في ذلك لئلا يغتر بذكره له بأنه إنما ذكره مقرونا بالاختلاف فيه.
ولهذا كان جمهور ما أنكر على البخاري، مما صححه يكون قوله فيه راجحا على قول من نازعه، بخلاف مسلم بن الحجاج فإنه نوزع في عدة أحاديث مما خرجها، وكان الصواب فيها مع من نازعه، كما روى في حديث الكسوف أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بثلاث ركوعات وبأربع ركوعات، كما روى أنه صلى بركوعين.
والصواب أنه لم يصل إلا بركوعين، وأنه لم يصل الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم، وقد بين ذلك الشافعى، وهو قول البخارى وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، والأحاديث التى فيها الثلاث والأربع فيها أنه صلاها يوم مات إبراهيم. ومعلوم أنه لم يمت في يومي كسوف، ولا كان له إبراهيمان. ومن نقل أنه مات عاشر الشهر فقد كذب، وكذلك روى مسلم (خلق الله التربة يوم السبت)، ونازعه فيه من هو أعلم منه كيحيى بن معين والبخاري وغيرهما، فبينوا أن هذا غلط، ليس هذا من كلام النبى صلى الله عليه وسلم.
والحجـة مــع هؤلاء، فإنه قـد ثبت بالـكتاب والسـنة والإجـماع أن الله تعالى خلق السـموات والأرض في سـتة أيام، وأن آخـر ما خلقه هو آدم، وكان خلقه يوم الجمعـة. وهذا الحديث المختلف فيه يقتضى أنه خلق ذلك في الأيام السبعة، وقد روى إسناد أصح من هذا أن أول الخلق كان يوم الأحد، وكذلك روى أن أبا سفيان لما أسلم طلب من النبى صلى الله عليه وسلم أن يتـزوج بأم حبيبـة، وأن يتخـذ مـعاوية كاتـبًا. وغلطـه في ذلـك طائفـة من الـحفاظ.
ولكن جـمهور متون الصـحيحين متفق علـيها بين أئـمة الحـديث، تلـقوها بالـقبول وأجمعوا عليها وهم يعلمون علماً قطعياً أن النبى صلى الله عليه وسلم قالها. وبسط الكلام في هذا له موضع آخر.
وهذا الحديث المذكور في آدم يذكره طائفة من المصنفين بغير إسناد وما هو من جنسه مع زيادات أخر، كما ذكر القاضى عياض قال: وحكى أبو محمد المكى وأبو الليث السمرقندى وغيرهما: (أن آدم عند معصيته قال: اللهم بحق محمد اغفر لي خطيئتي ـ قال: ويروى: تقبل توبتى ـ فقال الله له: من أين عرفت محمداً ؟ قال: رأيت في كل موضع من الجنة مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله ـ قال: ويروى: محمد عبدى ورسولى ـ فعلمت أنه أكرم خلقك عليك؛ فتاب عليه وغفر له).
ومثل هذا لا يجوز أن تبنى عليه الشريعة، ولا يحتج به في الدين باتفاق المسلمين؛ فإن هذا من جنس الإسرائيليات ونحوها التى لا تعلم صحتها إلا بنقل ثابت عن النبى صلى الله عليه وسلم، وهذه لو نقلها مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وأمثالهما ممن ينقل أخبار [المبتدأ، وقصص المتقدمين] عن أهل الكتاب لم يجز أن يحتج بها في دين المسلمين باتفاق المسلمين، فكيف إذا نقلها من لا ينقلها لا عن أهل الكتاب ولا عن ثقات علماء المسلمين ؟ بل إنما ينقلها عمن هو عند المسلمين مجروح ضعيف لا يحتج بحديثه، واضطرب عليه فيها اضطراباً يعرف به أنه لم يحفظ ذلك.
ولا ينقل ذلك ولا ما يشبهه أحد من ثقات علماء المسلمين الذين يعتمد على نقلهم، وإنما هى من جنس ما ينقله إسحاق بن بشر وأمثاله في [كتب المبتدأ]، وهذه لو كانت ثابتة عن الأنبياء لكانت شرعاً لهم،
وحينئذ فكان الاحتجاج بها مبنياً على أن شرع من قبلنا هل هو شرع لنا أم لا ؟ والنزاع في ذلك مشهور. لكن الذى عليه الأئمة وأكثر العلماء أنه شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه، وهذا إنما هو فيما ثبت أنه شرع لمن قبلنا من نقل ثابت عن نبينا صلى الله عليه وسلم، أو بما تواتر عنهم لا بما يروى على هذا الوجه، فإن هذا لا يجوز أن يحتج به في شرع المسلمين أحد من المسلمين.
ومن هذا الباب حديث ذكره موسى بن عبد الرحمن الصنعانى صاحب التفسير بإسناده عن ابن عباس مرفوعاً أنه قال: (من سره أن يوعيه الله حفظ القرآن وحفظ أصناف العلم، فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف أو في صحف قوارير بعسل وزعفران وماء مطر، وليشربه على الريق، وليصم ثلاثة أيام وليكن إفطاره عليه، ويدعو به في أدبار صلواته: اللهم إنى أسألك بأنك مسئول لم يسأل مثلك ولا يسأل، وأسألك بحق محمد نبيك، وإبراهيم خليلك، وموسى نجيك، وعيسى روحك وكلمتك ووجيهك) وذكر تمام الدعاء.
وموسى بن عبد الرحمن هذا من الكذابين، قال أبو أحمد بن عدى فيه: منكر الحديث. وقالوا أبو حاتم بن حبان: دجال يضع الحديث، وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتاباً في التفسير جمعه من كلام الكلبى ومقاتل، ويروى نحو هذا ـ دون الصوم ـ عن ابن مسعود من طريق موسى بن إبراهيم المروزى، حدثنا وَكِيع، عن عبيدة، عن شقيق، عن ابن مسعود. وموسى بن إبراهيم هذا قال فيه يحىى بن معين: كذاب، وقال الدارقطنى: متروك، وقال ابن حبان: كان مغفلاً يلقن فيتلقن فاستحق الترك. ويروى هذا عن عمر بن عبد العزيز عن مجاهد بن جبر عن ابن مسعود بطريق أضعف من الأول.
ورواه أبو الشيخ الأصبهانى من حديث أحمد بن إسحاق الجوهرى: حدثنا أبو الأشعث، حدثنا زهير بن العلاء العتبى، حدثنا يوسف بن يزيد، عن الزهرى، ورفع الحديث قال: (من سره أن يحفظ فليصم سبعة أيام وليكن إفطاره في آخر الأيام السبعة على هؤلاء الكلمات). قلت: وهذه أسانيد مظلمة لا يثبت بها شىء.
وقد رواه أبو موسى المدينى في أماليه وأبو عبد الله المقدسى على عادة أمثالهم في رواية ما يروى في الباب، سواء كان صحيحاً أو ضعيفاً كما اعتاده أكثر المتأخرين من المحدثين، أنهم يروون ما روى به الفضائل، ويجعلون العهدة في ذلك على الناقل كما هى عادة المصنفين في فضائل الأوقات والأمكنة والأشخاص والعبادات.
كما يرويه أبو الشـيخ الأصبهانى في فضـائل الأعمـال وغيره، حيـث يجمع أحـاديث كثيرة لكثرة روايته، وفيها أحاديث كثيرة قوية صحيحة وحسنة، وأحاديث كثيرة ضعيفة موضوعة وواهية.
وكذلك ما يـرويه خَيْثَمَة بن سـليمان في فضـائل الصحـابة، وما يـرويه أبو نعـيم الأصبهانى في [فضائل الخلفاء] في كتاب مفرد وفى أول [حلية الأولياء]، وما يرويه أبو الليث السمرقندى وعبد العزيز الكنانى، وأبو على بن البناء وأمثالهم من الشيوخ، وما يرويه أبو بكر الخطيب، وأبو الفضل بن ناصر، وأبو موسى المدينى، وأبو القاسم بن عساكر، والحافظ عبد الغنى، وأمثالهم ممن لهم معرفة بالحديث. فإنهم كثيراً ما يروون في تصانيفهم ما روى مطلقاً على عادتهم الجارية؛ ليعرف ما روى في ذلك الباب لا ليحتج بكل ما روى، وقد يتكلم أحدهم على الحديث ويقول: غريب، ومنكر، وضعيف، وقد لا يتكلم.
وهذا بخلاف أئمة الحديث الذين يحتجون به،ويبنون عليه دينهم، مثل مالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، ويحىى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدى، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، والشافعى، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعلى بن المدينى، والبخارى، وأبى زُرْعَة، وأبى حاتم، وأبى داود، ومحمد بن نصر المروزى، وابن خزيمة، وابن المنذر، وداود بن على، ومحمد بن جرير الطبرى، وغير هؤلاء، فإن هؤلاء الذين يبنون الأحكام على الأحاديث يحتاجون أن يجتهدوا في معرفة صحيحها وضعيفها وتمييز رجالها.
وكذلك الذين تكلموا في الحديث والرجال، ليميزوا بين هذا وهذا لأجل معرفة الحديث، كما يفعل أبو أحمد بن عدى، وأبو حاتم البستى، وأبو الحسن الدارقطنى، وأبو بكر الإسماعيلى، وكما قد يفعل ذلك أبو بكر البيهقى، وأبو إسماعيل الأنصارى، وأبو القاسم الزنجانى، وأبو عمر بن عبد البر، وأبو محمد بن حزم، وأمثال هؤلاء فإن بسط هذه الأمور له موضع آخر. ولم نذكر من لا يروى بإسناد ـ مثل كتاب [وسيلة المتعبدين] لعمر الملا الموصلى وكتاب [الفردوس] لشهريار الديلمى، وأمثال ذلك ـ فإن هؤلاء دون هؤلاء الطبقات، وفيما يذكرونه من الأكاذيب أمر كبير.
والمقصود هنا: أنه ليس في هذا الباب حديث واحد مرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم يعتمد علىه في مسألة شرعية باتفاق أهل المعرفة بحديثه، بل المروى في ذلك إنما يعرف أهل المعرفة بالحديث أنه من الموضوعات إما تعمداً من واضعه وإما غلطاً منه .
وليس فيمن يصحح الحديث أضعف من تصحيحه، بخلاف أبى حاتم بن حبان البستى، فإن تصحيحه فوق تصحيح الحاكم وأجل قدراً، وكذلك تصحيح الترمذى والدارقطنى وابن خزيمة وابن منده وأمثالهم فيمن يصحح الحديث.
فإن هؤلاء وإن كان في بعض ما ينقلونه نزاع، فهم أتقن في هذا الباب من الحاكم، ولا يبلغ تصحيح الواحد من هؤلاء مبلغ تصحيح مسلم، ولا يبلغ تصحيح مسلم مبلغ تصحيح البخارى، بل كتاب البخارى أجل ما صنف في هذا الباب. والبخارى من أعرف خلق الله بالحديث وعلله مع فقهه فيه، وقد ذكر الترمذى أنه لم ير أحداً أعلم بالعلل منه؛ ولهذا كان من عادة البخارى إذا روى حديثا اختلف في إسناده أو في بعض ألفاظه، أن يذكر الاختلاف في ذلك لئلا يغتر بذكره له بأنه إنما ذكره مقرونا بالاختلاف فيه.
ولهذا كان جمهور ما أنكر على البخاري، مما صححه يكون قوله فيه راجحا على قول من نازعه، بخلاف مسلم بن الحجاج فإنه نوزع في عدة أحاديث مما خرجها، وكان الصواب فيها مع من نازعه، كما روى في حديث الكسوف أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بثلاث ركوعات وبأربع ركوعات، كما روى أنه صلى بركوعين.
والصواب أنه لم يصل إلا بركوعين، وأنه لم يصل الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم، وقد بين ذلك الشافعى، وهو قول البخارى وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، والأحاديث التى فيها الثلاث والأربع فيها أنه صلاها يوم مات إبراهيم. ومعلوم أنه لم يمت في يومي كسوف، ولا كان له إبراهيمان. ومن نقل أنه مات عاشر الشهر فقد كذب، وكذلك روى مسلم (خلق الله التربة يوم السبت)، ونازعه فيه من هو أعلم منه كيحيى بن معين والبخاري وغيرهما، فبينوا أن هذا غلط، ليس هذا من كلام النبى صلى الله عليه وسلم.
والحجـة مــع هؤلاء، فإنه قـد ثبت بالـكتاب والسـنة والإجـماع أن الله تعالى خلق السـموات والأرض في سـتة أيام، وأن آخـر ما خلقه هو آدم، وكان خلقه يوم الجمعـة. وهذا الحديث المختلف فيه يقتضى أنه خلق ذلك في الأيام السبعة، وقد روى إسناد أصح من هذا أن أول الخلق كان يوم الأحد، وكذلك روى أن أبا سفيان لما أسلم طلب من النبى صلى الله عليه وسلم أن يتـزوج بأم حبيبـة، وأن يتخـذ مـعاوية كاتـبًا. وغلطـه في ذلـك طائفـة من الـحفاظ.
ولكن جـمهور متون الصـحيحين متفق علـيها بين أئـمة الحـديث، تلـقوها بالـقبول وأجمعوا عليها وهم يعلمون علماً قطعياً أن النبى صلى الله عليه وسلم قالها. وبسط الكلام في هذا له موضع آخر.
وهذا الحديث المذكور في آدم يذكره طائفة من المصنفين بغير إسناد وما هو من جنسه مع زيادات أخر، كما ذكر القاضى عياض قال: وحكى أبو محمد المكى وأبو الليث السمرقندى وغيرهما: (أن آدم عند معصيته قال: اللهم بحق محمد اغفر لي خطيئتي ـ قال: ويروى: تقبل توبتى ـ فقال الله له: من أين عرفت محمداً ؟ قال: رأيت في كل موضع من الجنة مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله ـ قال: ويروى: محمد عبدى ورسولى ـ فعلمت أنه أكرم خلقك عليك؛ فتاب عليه وغفر له).
ومثل هذا لا يجوز أن تبنى عليه الشريعة، ولا يحتج به في الدين باتفاق المسلمين؛ فإن هذا من جنس الإسرائيليات ونحوها التى لا تعلم صحتها إلا بنقل ثابت عن النبى صلى الله عليه وسلم، وهذه لو نقلها مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وأمثالهما ممن ينقل أخبار [المبتدأ، وقصص المتقدمين] عن أهل الكتاب لم يجز أن يحتج بها في دين المسلمين باتفاق المسلمين، فكيف إذا نقلها من لا ينقلها لا عن أهل الكتاب ولا عن ثقات علماء المسلمين ؟ بل إنما ينقلها عمن هو عند المسلمين مجروح ضعيف لا يحتج بحديثه، واضطرب عليه فيها اضطراباً يعرف به أنه لم يحفظ ذلك.
ولا ينقل ذلك ولا ما يشبهه أحد من ثقات علماء المسلمين الذين يعتمد على نقلهم، وإنما هى من جنس ما ينقله إسحاق بن بشر وأمثاله في [كتب المبتدأ]، وهذه لو كانت ثابتة عن الأنبياء لكانت شرعاً لهم،
وحينئذ فكان الاحتجاج بها مبنياً على أن شرع من قبلنا هل هو شرع لنا أم لا ؟ والنزاع في ذلك مشهور. لكن الذى عليه الأئمة وأكثر العلماء أنه شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه، وهذا إنما هو فيما ثبت أنه شرع لمن قبلنا من نقل ثابت عن نبينا صلى الله عليه وسلم، أو بما تواتر عنهم لا بما يروى على هذا الوجه، فإن هذا لا يجوز أن يحتج به في شرع المسلمين أحد من المسلمين.
ومن هذا الباب حديث ذكره موسى بن عبد الرحمن الصنعانى صاحب التفسير بإسناده عن ابن عباس مرفوعاً أنه قال: (من سره أن يوعيه الله حفظ القرآن وحفظ أصناف العلم، فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف أو في صحف قوارير بعسل وزعفران وماء مطر، وليشربه على الريق، وليصم ثلاثة أيام وليكن إفطاره عليه، ويدعو به في أدبار صلواته: اللهم إنى أسألك بأنك مسئول لم يسأل مثلك ولا يسأل، وأسألك بحق محمد نبيك، وإبراهيم خليلك، وموسى نجيك، وعيسى روحك وكلمتك ووجيهك) وذكر تمام الدعاء.
وموسى بن عبد الرحمن هذا من الكذابين، قال أبو أحمد بن عدى فيه: منكر الحديث. وقالوا أبو حاتم بن حبان: دجال يضع الحديث، وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتاباً في التفسير جمعه من كلام الكلبى ومقاتل، ويروى نحو هذا ـ دون الصوم ـ عن ابن مسعود من طريق موسى بن إبراهيم المروزى، حدثنا وَكِيع، عن عبيدة، عن شقيق، عن ابن مسعود. وموسى بن إبراهيم هذا قال فيه يحىى بن معين: كذاب، وقال الدارقطنى: متروك، وقال ابن حبان: كان مغفلاً يلقن فيتلقن فاستحق الترك. ويروى هذا عن عمر بن عبد العزيز عن مجاهد بن جبر عن ابن مسعود بطريق أضعف من الأول.
ورواه أبو الشيخ الأصبهانى من حديث أحمد بن إسحاق الجوهرى: حدثنا أبو الأشعث، حدثنا زهير بن العلاء العتبى، حدثنا يوسف بن يزيد، عن الزهرى، ورفع الحديث قال: (من سره أن يحفظ فليصم سبعة أيام وليكن إفطاره في آخر الأيام السبعة على هؤلاء الكلمات). قلت: وهذه أسانيد مظلمة لا يثبت بها شىء.
وقد رواه أبو موسى المدينى في أماليه وأبو عبد الله المقدسى على عادة أمثالهم في رواية ما يروى في الباب، سواء كان صحيحاً أو ضعيفاً كما اعتاده أكثر المتأخرين من المحدثين، أنهم يروون ما روى به الفضائل، ويجعلون العهدة في ذلك على الناقل كما هى عادة المصنفين في فضائل الأوقات والأمكنة والأشخاص والعبادات.
كما يرويه أبو الشـيخ الأصبهانى في فضـائل الأعمـال وغيره، حيـث يجمع أحـاديث كثيرة لكثرة روايته، وفيها أحاديث كثيرة قوية صحيحة وحسنة، وأحاديث كثيرة ضعيفة موضوعة وواهية.
وكذلك ما يـرويه خَيْثَمَة بن سـليمان في فضـائل الصحـابة، وما يـرويه أبو نعـيم الأصبهانى في [فضائل الخلفاء] في كتاب مفرد وفى أول [حلية الأولياء]، وما يرويه أبو الليث السمرقندى وعبد العزيز الكنانى، وأبو على بن البناء وأمثالهم من الشيوخ، وما يرويه أبو بكر الخطيب، وأبو الفضل بن ناصر، وأبو موسى المدينى، وأبو القاسم بن عساكر، والحافظ عبد الغنى، وأمثالهم ممن لهم معرفة بالحديث. فإنهم كثيراً ما يروون في تصانيفهم ما روى مطلقاً على عادتهم الجارية؛ ليعرف ما روى في ذلك الباب لا ليحتج بكل ما روى، وقد يتكلم أحدهم على الحديث ويقول: غريب، ومنكر، وضعيف، وقد لا يتكلم.
وهذا بخلاف أئمة الحديث الذين يحتجون به،ويبنون عليه دينهم، مثل مالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، ويحىى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدى، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، والشافعى، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعلى بن المدينى، والبخارى، وأبى زُرْعَة، وأبى حاتم، وأبى داود، ومحمد بن نصر المروزى، وابن خزيمة، وابن المنذر، وداود بن على، ومحمد بن جرير الطبرى، وغير هؤلاء، فإن هؤلاء الذين يبنون الأحكام على الأحاديث يحتاجون أن يجتهدوا في معرفة صحيحها وضعيفها وتمييز رجالها.
وكذلك الذين تكلموا في الحديث والرجال، ليميزوا بين هذا وهذا لأجل معرفة الحديث، كما يفعل أبو أحمد بن عدى، وأبو حاتم البستى، وأبو الحسن الدارقطنى، وأبو بكر الإسماعيلى، وكما قد يفعل ذلك أبو بكر البيهقى، وأبو إسماعيل الأنصارى، وأبو القاسم الزنجانى، وأبو عمر بن عبد البر، وأبو محمد بن حزم، وأمثال هؤلاء فإن بسط هذه الأمور له موضع آخر. ولم نذكر من لا يروى بإسناد ـ مثل كتاب [وسيلة المتعبدين] لعمر الملا الموصلى وكتاب [الفردوس] لشهريار الديلمى، وأمثال ذلك ـ فإن هؤلاء دون هؤلاء الطبقات، وفيما يذكرونه من الأكاذيب أمر كبير.
والمقصود هنا: أنه ليس في هذا الباب حديث واحد مرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم يعتمد علىه في مسألة شرعية باتفاق أهل المعرفة بحديثه، بل المروى في ذلك إنما يعرف أهل المعرفة بالحديث أنه من الموضوعات إما تعمداً من واضعه وإما غلطاً منه .