نجاسة الكلب
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: الواقع المعاصر - فقه الطهارة -
- هل لُعاب الكَلْب نَجسٌ؟ وإذا كان كذلك، فكيفَ يُطهَّر الثَّوبُ الذي لاقتْه هذه النَّجاسة؟ وكذلك كيفيَّة تطهير البدَن من هذه النَّجاسة؟
- هل عرَقُ الكلب نَجس؟ وكيْفَ يُطهَّر الثَّوب أو البدن، الذي لاقتْه هذه النَّجاسة؟
- إذا أخذ الكلب بفَمِه هاتفًا جوَّالا، أو أيَّ جهاز إلكتروني آخَر، فكيفَ يتمُّ تطهيرُه؟
- بعض النَّاس لديْهِم كلاب -عادية أو لِلصَّيد أو للحِراسة- ويصلُّون بالمسجِد، وأخاف أن تنتقِل نَجاسة الكلاب إلى ملابسي كلَّما صلَّى أحدُهم بِجانبي، حتَّى بدأتُ أعاني من الوسواس في طهارة الثِّياب وغيْرِها، فما هو توجيهُكم في هذه المسألة؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقدِ اختلفَ العُلماءُ في نَجاسة الكلب، واختلفوا: هل النَّجاسة خاصَّة بفمِه ولُعابه، أو عامَّة بِجميع بدَنِه وأعضائِه؟ والرَّاجحُ: أنَّ نَجاستَه خاصَّة بفمِه ولُعابه؛ لأنَّ النَّجاسةَ حكمٌ شرعيٌّ ناقلٌ عن الأصل، فلا يُحكَم به إلا بنصٍّ أو إجْماع، وليس بالقياس.
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية، في "مجموع الفتاوى": "وأمَّا الكلبُ، فقد تنازعَ العُلماءُ فيه على ثلاثة أقوال:
أحدُها: أنَّه طاهرٌ حتَّى رِيقُهُ، وهذا هو مذهب مالك.
والثاني: نَجسٌ حتى شَعْرُه، وهذا هو مذهبُ الشَّافعي، وإحدى الروايتَيْنِ عن أحمد.
والثالث: شعرُه طاهرٌ، وريقُه نجسٌ، وهذا هو مذهبُ أبي حنيفة، وأحمد في إحدى الرِّوايَتَيْنِ عنه.
وهذا أصحُّ الأقوال، فإذا أصاب الثوبَ أو البدنَ رطوبةُ شعره، لم ينجس بذلك" اهـ.
وقال في "مجموع الفتاوى": "وذلك لأنَّ الأصلَ في الأعيان الطهارةُ؛ فلا يَجوز تنجيسُ شيءٍ، ولا تَحريمه، إلا بدليلٍ؛ كما قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُّرِرْتُم إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُم حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115]، وإذا كان كذلك، فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: "طُهُورُ إِنَاءِ أحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعًا، أولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ"، وفي الحديثِ الآخَر: "إذَا وَلَغَ الكَلْبُ …"، فأحاديثُه كلُّها ليس فيها إلا ذِكْرُ الولوغ، لم يذكر سائرَ الأجزاء، فتنجيسُها إنَّما هو بالقياس ... وأيضًا: فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلَّم رخَّص في اقتِناء كلبِ الصَّيد، والماشية، والحرث، ولا بدَّ لِمن اقتناه أنْ يُصيبه رطوبةُ شعوره، كما يصيبه رطوبةُ البغل، والحمار، وغَيْرِ ذلك، فالقولُ بنجاسة شعورها -والحال هذه- من الحرج المرفوع عن الأمة" اهـ.
وعليه؛ فإنَّ لعابَ الكلب نجسٌ، ويَجب تطهيرُ ما أصابَ من ثوبٍ، أو بدنٍ، أو إناءٍ، أو غير ذلك، على الكيفيَّة الواردة في حديث الصَّحيحَيْنِ، عن أبي هُريْرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: "إذا ولغ الكلبُ في إناءِ أحدِكم، فليغسلْه سبعًا"، ولِمسلم: "أولاهنَّ بالتُّراب"، وفي لفظ له: "وعفِّروه الثامنةَ بالتراب"، وفي لفظ لمسلم: "فليرقه".
قال النوويُّ في "المجموع" (2/598): "وقدِ اختلفَ العُلماءُ في ولوغِ الكلب، فمذهبُنا: أنَّه ينجس ما ولَغ فيه، ويَجبُ غسْلُ إنائِه سبعَ مرَّات إحداهنَّ بالتّراب، وبِهذا قال أكثرُ العُلماء.
حكى ابنُ المنذِر: وجوبَ الغَسْلِ سبعًا، عن أبِي هُريرة، وابن عبَّاس، وعروةَ بْنِ الزُّبيْر، وطاوس، وعمرِو بن دينار، ومالكٍ، والأوزاعيِّ، وأحْمد، وإسحاقَ، وأبِي عُبيدٍ، وأبِي ثور، قال ابن المنذر: وبه أقول" اهـ.
وقدِ اختلف العُلماءُ في استِعْمال التُّراب في التَّطهير، وهل يجوز أن يستعمل شيئًا آخَر، كالصابون أو غيْرِه من المنظفات؟
فذهبَ الإمام الشافعيُّ إلى أنَّه: يَجب استِعمال التراب، ولا يُجْزِئ استعمال غيره؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عيَّنَه وأمر به.
وذهب الإمام أحمدُ إلى أنَّه: يَجوز أن يُسْتعمَل غيْرُ التُّراب، كالصَّابون ونحوه.
والرَّاجحُ: أنَّ غيْرَ التُّراب لا يقوم مقامه؛ وللنَّصِّ عليْه في أحاديث الولوغ، وأيضًا لأنَّه ثَبَتَ عِلْميًّا أنَّ النَّجاسة النَّاتِجة عن ولوغ الكَلْبِ لا يُزِيلُها غيرُ التُّراب؛ لأنَّه يحتوي على مادَّتَيْنِ قاتِلتَيْنِ للجراثيم، وهُما (تتراكسلين)، و(التتاراليت)، وتُستعملان في عمليَّات التَّعقيم ضدَّ بعض الجراثيم، منها الجراثيم الموجودة في لعاب الكلب، والتي لا تزولُ إلا بِهذا النَّوع من التَّعقيم.
وعليه؛ فمَنْ أصابَ بدنَه أو ثوبَه شيءٌ من لُعاب الكَلْبِ، وجب عليْهِ غسلُه سبْعَ غسلات، أولاهنَّ بالتُّراب.
أمَّا عَرَقُ الكلب، فليس بنَجِسٍ لِما سبقَ بيانه.
أمَّا كيفيَّة تطهير الجوَّال -إذا ولَغ فيه الكلبُ- فبِالصورة السابقة الذِّكر، إلا أن يؤدِّيَ ذلكَ لتلفِه، فلْيَمْسَحْه بِخِرْقة، وليحرِصْ على عدَم حَمْلِه حالَ الصلاةِ؛ لكونه غيرَ طاهر.
أمَّا الصلاة بجوار من يقتني الكلاب، فلا شيءَ فيها؛ لأمور منها: أنَّ الأصلَ الطَّهارةُ، والثَّاني: أنَّه قد مرَّ بك أنَّ شَعْرَ الكلْبِ لَيْسَ بِنَجس، ولتحذر من تسرب الوسواس إليك، فعليك بمجاهدة النفس ولتكف عن الاسترسال؛ فإنه العلاج الناجع لقطع الوسواس، ولتراجع: "الوسواس القَهْري"، والله أعلم.