عدَّة ياسين

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: العقيدة الإسلامية - الذكر والدعاء -
السؤال:

يُقال: إنَّ سورة ياسين إذا قرئَت عدَّة مرَّات "41" مرَّة، ودعا صاحبُها على الظَّالم، كان للدُّعاء الأثر، وأنَّ قِراءتَها هي المسبِّبة لهذا الأثر. فما صحَّة ذلك؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإنَّ ما يُعرَف بـ "عِدّيَّة يس" ليس له أصْل صحيح في الدِّين -فيما اطَّلَعْنا عليه- كما أنَّ لها طُرُقًا في القراءة لا تُوافِقُ الشَّرْعَ، بل تخالف الطرق المعروفة عن السلف، ويُقال بَعْدَ القِراءة: "اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ بِحقِّ ما قَرأتُ مِن القُرْآنِ الكَريمِ: أنْ تَحْفظَني مِن السُّوءِ، وتَرْفَعَ عَنِّي ظُلْمَ الظَّالِمينَ"، ولمْ يُنْقَلْ هذا عَنْ أحَدٍ منَ القُرُونِ الخَيْرِيَّة الذينَ أُمِرْنا بالاقْتِداءِ بِهمْ؛ ومِنْ ثَمَّ فلا أثَرَ لها في السُّنَّة.

ولا شَكَّ أنَّ قراءةَ القُرْآنِ فيها خَيْرٌ كثيرٌ، وثَوابٌ جزيلٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى، ولَكِنَّ ما وَرَدَ في سورة يس منَ الفَضائل في الأحَادِيثِ حَكَمَ عليه المُحَقِّقون مِنْ أهْلِ العِلْمِ إمَّا بالضَّعْفِ أوِ الوَضْعِ، والمقرَّر عند أهل العِلْم: أنَّ العبادةَ لا بدَّ أن تَكُونَ مَشْروعةً، وأنَّ الْتِزامَ الأعْدَادِ والكَيْفِيَّاتِ والهَيْئاتِ التِي لم يَقُمْ عليها دليلٌ مِنَ الشَّرْعِ - يُعْتَبرُ مِنَ البِدَعِ، لاسِيَّما إن كانَ صاحِبُها يَظُنُّ أنَّ في التقيُّد بِذَلكَ العدد فَضْلاً ما.

قال الشاطبي رحِمَهُ اللَّهُ: "فالبِدْعةُ إذًا: عبارةٌ عن طريقةٍ في الدين مخترعَةٍ، تُضاهِي الشَّرْعِيَّةَ، يُقْصَدُ بِالسُّلوكِ عَليْها المُبَالغةُ في التَّعَبُّدِ لِلَّهِ سُبْحانهُ ... ومنها التِزامُ الكَيْفِيَّاتِ والهَيْئاتِ المُعَيَّنةِ؛ كالذِّكْرِ بِهَيْئَةِ الاجتِماع على صَوْتٍ واحِدٍ، واتِّخاذ يَوْمِ وِلادةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عيدًا، وما أشْبَهَ ذَلِكَ، ومنها الْتِزامُ العِباداتِ المُعَيَّنَةِ، في أوْقاتٍ مُعَيَّنَةٍ، لم يُوجَدْ لها ذَلِكَ التَّعْيِينُ في الشَّرِيعَةِ؛ كالتزامِ صِيامِ يَوْمِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبانَ، وقيام لَيْلَتِهِ". اهـ من "الاعتصام" (1/ 37 - 39).

وكوْنُ العَمَلِ اعْتادَهُ النَّاسُ وتَوارثُوهُ، أو كان يَتَرَتَّبُ على فِعْلِه بَعْضُ النَّتَائِجِ - لا يَدُلُّ على سُنِّيَّتِه، بَلْ تُوزَنُ الأقْوالُ والأَعْمالُ بِأقْوالِ وأعْمَالِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فما وَافَقَ منها قُبِلَ، وما خالَفَ مِنْهَا رُدَّ على صاحِبِه، وفي "الصَّحيحَيْن": أَنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليس مِنْهُ، فهو رَدٌّ"، وفي رواية مُسْلِمٍ: "مَنْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أَمْرُنَا، فهو رَدٌّ".

وعليه؛ فقراءة سورة يس بالعدَد المذْكور ثمَّ الدُّعاء بعدَه: محْض بدْعة، لم تثبت عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا عن أحد من الصَّحابة، وليس لأحدٍ أن يَستحْسِن عبادةً لم تَثبتْ عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.

وعلى المسلم أن يسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، ويتضرَّع إليه في كل وقت، وخاصَّة في أوقات الإجابة؛ ليقضِي اللهُ حوائجه؛ كما قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].

وننبِّه السَّائلة إلى أنَّ الدُّعاء عمومًا لا يؤثِّر بذاته، وإنَّما هو سبب وحسْب، والَّذي يؤثر هو الله جلَّ جلاله فمنِ اعتقد أنَّ الدُّعاء هو الذي يؤثِّر بذاته، فقد أشركَ -والعياذ بالله- فالله تَعالى هو المستجيب للدُّعاء والمسبِّب، وهو النَّافع، وهو الضَّارُّ وحْده لا شريك له، والدُّعاء مجرَّد سبب،، والله أعلم.