حكم نشر صور الممثلين على المنتجات التجارية
حسام الدين عفانه
- التصنيفات: فقه المعاملات -
انتشرت ظاهرة نشر وترويج صور ممثلي بعض المسلسلات التركية التي تبثها القنوات الفضائية على بعض المنتجات الخاصة بالأطفال (كالشيبس) والدفاتر المدرسية وبعض الملابس وغيرها، فما الحكم الشرعي في ذلك؟
لا شك أن كثيراً من القنوات الفضائية أصبحت معولاً من معاول محاربة الدين والأخلاق والفضيلة، بل هي منابر لنشر الفساد والرذيلة، ومع الأسف الشديد فإن القنوات الفضائية قد دخلت بيوتنا، وأصبحت مربيةً لأبنائنا وبناتنا، ومرشدةً لزوجاتنا، وموجهةً لشبابنا ورجالنا، إلا من رحم ربي وحماه من هذه الطوفان الهادر، والفيضان الرهيب. ومن ضمن سموم القنوات الفضائية، هذه المسلسلات الفاسدة المفسدة، الطافحة بالانحرافات الفكرية والمسلكية، التي تتعارض مع ديننا ومع أخلاقنا ومع عادتنا وتقاليدنا الأصيلة، هذه المسلسلات التي تنشر الفواحش والمنكرات، وتجعل الزنا أمراً عادياً، وتجعل العلاقات الجنسية خارج نطاق الزواج وما يترتب عليها من حملٍ، أموراً طبيعية، يجب على الأسرة أن تتقبلها وتقر بها، هذه المسلسلات التافهة التي تروج [للممارسات غير الأخلاقية التي اجتاحت بعض المجتمعات كهروب الفتيات والزواج السري وغيرها. إن الدراما العربية ووسائل الإعلام ساهمت في تلك الانحرافات وأن نموذج الراقصة أو الفنانة التي تهرب من بيت الأسرة تحت دعاوى الضغوط الأسرية وإظهارها بعد ذلك بمظهر القدوة والبطولة قد أثر في وجدان العديد من الفتيات وصرن يمارسنه في الواقع، كما أن الترويج لمفهوم معين للحب يقوم على التلاقي بين الفتى والفتاة بعيداً عن الأسرة والأطر الشرعية عبر الإلحاح الإعلامي بكل وسائله أثر بشكلٍ كبيرٍ على المجتمع وعلى طبيعة العلاقات التي تحكم الرجل بالمرأة. فالعديد من الأفلام تصور الراقصة بطلة ولديها أخلاقيات ومثل عليا!!! وفي بعض الأفلام تعيش المرأة المتزوجة مع حبيبها وتقدم هذه المرأة على أنها تستحق التعاطف معها!!] (من دراسة ميدانية للدكتور أحمد المجذوب الخبير الاجتماعي، عن الإنترنت).
كما أن هذه المسلسلات التافهة تبرز المرأة كرمز للجنس المكشوف أو الموارب. ويضاف إلى ذلك أن هذه المسلسلات قد أسهمت في تفكيك الحياة الأسرية بزيادة المشكلات في البيوت، وزيادة عدد حالات الطلاق، يقول أحد قضاة المحاكم الشرعية في السعودية: "الفضائيات تتسبب في ارتفاع حالات الطلاق، فالفضائيات تدعو إلى تمرد المرأة على زوجها، فهي تظهر لها أن الزوج متسلط وظالم، سلب منها حقوقها وحياتها. كما أن من أسباب الطلاق مقارنة الزوج لزوجته بنساء الفضائيات، اللائي جملّتهن كاميرات التصوير حتى القبيحات منهن أصبحن جميلات بفعل أنواع الماكياج" (مجلة الأسرة العدد 105). إن هذه القنوات الفضائية ينطبق عليها قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النور: 19]. فما تعرضه هذه القنوات من هذه المسلسلات، تحرم مشاهدته ومتابعته، ويجب شرعاً مقاطعة كل ذلك لما فيه من المنكرات والمفاسد ولما يترتب عليه من انحرافات، ولما فيه من نشرٍ للمشاهد الفاضحة التي تؤدي إلى إثارة الغرائز وإسهامٍ في تسميم أفكار الجيل الناشئ، وتسويقٍ للقيم والسلوكيات الغربية المنافية للقيم الإسلامية، مثل مشاهد تعاطي المخدرات والمسكرات والجريمة والجنس، ويضاف إلى ذلك ما تقدمه القنوات الفضائية من برامج تؤدي إلى إشغال المرأة بعالم الموضة والأزياء وعالم الطبخ المبالغ فيه، وغير ذلك من المفاسد والمنكرات، والأمور التافهة، التي تعتبر من باب العلم بها لا ينفع والجهل بها لا يضر.
وهذا غيض من فيض مفاسد القنوات الفضائية بشكل عام، وأما المسلسلات التركية المدبلجة باللغة العامية الشامية، التي أشار لها السائل، فقد سلبت عقول كثيرٍ من الناس نساءً ورجالاً في عالمنا العربي التائه الضائع، وفتنت كثيراً من الناس مما جعل بعض ضعاف النفوس من التجار يستغلون هذه الحالة للترويج لسلعهم وذلك بنشر صور ممثلي هذه المسلسلات على بضائعهم، فأصبحت الأسواق ممتلئة بالبضائع التي تحمل صور هؤلاء الذين يسمونهم أبطالاً ونجوماً!! هؤلاء الذين يمارسون بطولاتهم المزعومة في الخنا وفي الفحشاء والمنكر، فتجد في الأسواق صوراً لهؤلاء الممثلين على كثيرٍ من المنتجات التي يستهلكها الأطفال (كالشيبس) واللعب وأنواع مختلفة من القرطاسية، خاصة أننا على أبواب العام الدراسي الجديد، وكذلك تجد صورهم على الملابس، وجعلت صورهم خلفيات للجوالات والكمبيوترات وغير ذلك. إذا تقرر هذا فإن من الضوابط الشرعية التي تحكم العمل في التجارة تحريم الإتجار والعمل بالمحرمات سواء كان ذلك بانتهاك محرم أو ترك واجب؛ يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9]. ومن الأمور المحرمة في التجارة الترويج للمحرمات والمنكرات كالمسلسلات المذكورة وغيرها، فنشر صور الممثلين على البضائع محرم شرعاً، لأن من المعلوم عند أهل العلم أن للوسائل أحكام المقاصد، قال الإمام العز بن عبد السلام: "للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل" (قواعد الأحكام 1/46). فوسيلة المحرم محرمة أي إن ما أدى إلى الحرام فهو حرام. فالصور التي تشتمل على نشر الفحشاء والمنكر محرمة والترويج للرذائل والفساد والإفساد، لا يجوز استعمالها في ترويج البضائع بمختلف أشكالها، ومما يدل على تحريم هذا العمل قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]. قال الشيخ ابن قدامة المقدسي رحمه الله: "وهذا النهي يقتضي التحريم" (المغني 4/167).
فلا شك أن نشر صور هؤلاء الساقطين والساقطات، فيه نشر للفساد والرذيلة وفيه إثارة للشهوات وكل ذلك داخل في باب التعاون على الإثم والعدوان.كما إنه يدخل في إشاعة الفاحشة بين الناس وهذا من كبائر الذنوب، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النور: 19]. كما أن نشر صور هؤلاء يغرس معاني الفساد والرذيلة في نفوس أبنائنا، وخاصة أن بعض المنتجات التي عليها صور الممثلين كالدفاتر المدرسية، تستمر بأيدي طلابنا فترات طويلة، مما يؤثر سلبياً على ثقافة أبنائنا وسلوكهم. ولا بد للتجار الذين ينشرون هذا الفساد من خلال نشر صور الممثلين على منتجاتهم أن يعلموا أنهم يدخلون بعملهم هذا ضمن دائرة الكسب الحرام، والكسب الحرام نوع من أكل السحت، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42].وقال الله تعالى: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [المائدة: 62]. وقوله تعالى: {لوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: 63]. قال أهل التفسير في قوله تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} أي الحرام، وسمي المال الحرام سحتاً، لأنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها. (انظر تفسير القرطبي 6/183). وقال جماعة من أهل التفسير: ويدخل في السحت كل ما لا يحل كسبه (فتح المالك 8/223).
ومن السحت الربا والغصب والقمار والسرقة ومهر البغي وثمن الخمر والخنزير والميتة والأصنام والتماثيل والصور الإباحية والأفلام الجنسية ونشر صور الممثلين والممثلات وغير ذلك، وقد جاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت وكل لحم نبت من سحت كانت النار أولى به" (رواه أحمد والدارمي والبيهقي في شعب الإيمان). وفي رواية أخرى: "كل جسدٍ نبت من سحتٍ فالنار أولى به" (رواه أحمد والطبراني والحاكم وغيرهم وقال العلامة الألباني صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 2/831). وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا كعب بن عجرة إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به" (رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه وصححه العلامة الألباني: صحيح سنن الترمذي 1/189). وعن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة جسد غُذِيَ بحرام" (رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط ورجال أبي يعلى ثقات وفي بعضهم اختلاف قاله الهيثمي- مجمع الزوائد 10/293، وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/320). وغير ذلك من النصوص.
فيا أخي التاجر ابتعد عن الكسب الحرام واحرص على الكسب الحلال واعلم أن من الواجبات على المسلم أن لا يأكل إلا الحلال بل إن الله قدم الأكل من الطيبات على العمل الصالح فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلـُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]. وفي هذا الزمان تحقق ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق حيث أخبر أن من الناس من لا يفرق في كسبه بين حلال وحرام فلا يهمه من أين اكتسب المال وكل ما يهمه أن يكون المال بين يديه ينفقه كيفما شاء. فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم من الحرام" (رواه البخاري). وقد ينسى بعض الناس أنه سيحاسب على ماله وأنه سيسأل عن هذا المال من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ فقد ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه" (رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وصححه العلامة الألباني). وقد وردت نصوص كثيرة من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على الأكل من الطيبات منها: قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلـُونَ عَلِيمٌ}. وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له" (رواه مسلم). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: تقوى الله وحسن الخلق، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: الفم والفرج" (رواه الترمذي وقال حديث صحيح غريب وحسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/318). وجاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "استحيوا من الله حق الحياء. قلنا: يا نبي الله إنا لنستحي والحمد الله. قال: ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء هو أن تحفظ الرأس وما وعى وتحفظ البطن وما حوى وتتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا -يعني من الله- حق الحياء" (رواه الترمذي، وحسّنه العلامة الألباني: صحيح سنن الترمذي 2/299).
وخلاصة الأمر أنه يحرم مشاهدة المسلسلات الفاسدة والمفسدة، كما يحرم نشر صور الممثلين والممثلات على المنتجات، وأن ذلك يدخل في إشاعة المنكرات والفواحش بين الناس، وأن التاجر الذي يستعمل هذه الوسائل المحرمة لترويج تجارته فإنه يُدخل في كسبه الحرام، كما يحرم بيع المنتجات التي تشتمل على صور الممثلين والممثلات.
تاريخ الفتوى: 20-8-2009.