التفصيل في مسألة مسابقة الإمام
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: فقه الصلاة -
كنت أصلِّي جماعة وسابقت الإمام فما الحكم؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فاتّباع الإمام والاقتِداء به واجب؛ لأنَّ من شأن التَّابع ألاَّ يسبِق متبوعَه، ولا يُخالفه في شيءٍ من الأحوال، ولا يُساويه، فضلاً عن أن يتقدَّم عليه؛ بل يراقِبُ أحوالَه، ويأتي على أثرِه بنحْوِ فعله؛ كما قال رسولُ الله صلَّى الله عليْه وسلَّم: "إنَّما جُعِل الإمام ليؤتمَّ به؛ فلا تختلِفوا عليْه، فإذا ركع فاركَعوا، وإذا قال: سمِع الله لِمَن حمِدَه، فقولوا: ربَّنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجُدوا، وإذا صلَّى جالسًا، فصلُّوا جلوسًا أجْمعين" (متَّفق عليه).
وفي رواية عند أحمد وأبي داود: ((إنَّما جُعِلَ الإمام ليؤتمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، ولا تكبِّروا حتَّى يكبِّر، وإذا ركع فارْكعوا، ولا تركعوا حتَّى يرْكع، وإذا قال: سمِع الله لِمَن حمِدَه، فقولوا: اللَّهُمَّ ربَّنا لك الحمد)).
قال في "المجموع شرح المهذَّب": "فقد ذكرْنا أنَّه يَحرم التقدُّم – أي: تقدُّم المأموم على الإمام بركوع أو غيره من الأفعال - ثمَّ ينظر إن لم يَسْبق برُكنٍ كامل - بأن ركع قبل الإمام، فلم يرْفع حتَّى ركع الإمام - لم تبطل صلاته، عمدًا كان أو سهوًا؛ لأنَّه مخالفة يسيرة، هذا هو المذهب، وبه قطع المصنِّف والجمهور، وحكى أبو عليٍّ الطَّبري، والقاضي أبو الطيِّب، والرَّافعي – وجهًا: أنَّه إن تعمَّد، بطلت صلاتُه، وهو شاذ ضعيف". اهـ.
قال ابن قدامة: "لا يجوز أن يَسبق إمامه؛ لقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تسْبِقوني بالرّكوع ولا بالسُّجود ولا بالقيام" (رواه مسلم).
وعن أبي هُرَيْرة قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "أما يَخشى الَّذي يرفع رأْسَه قبل الإمام أن يحوِّل الله رأسَه رأسَ حِمار، أو يجعل صورتَه صورةَ حمار؟!" (متَّفق عليه).
فإن فعل ذلك عامدًا، أثِم وتبطل صلاته في ظاهر كلام أحمد؛ فإنَّه قال: ليس لمن سبق الإمام صلاة؛ لو كان له صلاةٌ لرُجِي له الثَّواب، ولم يُخْشَ عليْه العِقاب.
وذلك لِما ذكرنا من الحديثَين، ورُوي عن ابنِ مسعود: أنَّه نظر إلى مَن سبق الإمام فقال: "لا وحدَك صلَّيتَ، ولا بإمامِك اقتديْتَ".
ولأنَّه لم يأتمَّ بإمامه في الرُّكن، أشبهَ ما إذا سبقه بتكبيرة الإحرام، وإن كان جاهِلاً أو ناسيًا، لم تبطل صلاته؛ لأنَّه سبق يسير، ولقولِه عليْه السَّلام: "عُفي لأمَّتي عن الخطأ والنسيان"، وقال ابن حامد: في ذلك وجهان، وقال: عندي أنَّه يصحُّ؛ لأنَّه اجتمع معه في الرُّكن، أشبه ما لو ركعَ معه ابتداء صحَّ، وهذا اختيار ابن عقيل، وعليْه أن يرفع ليأتي به بعده ليكون مؤتمًّا بإمامه، فإن لم يفعل عمدًا، بطلتْ صلاته عند أصحابِنا؛ لأنه تركَ الواجب عمدًا.
وقال القاضي: لا تبطل لأنَّه سبق يسير.
وممَّا سبق يتبيَّن أنَّ متابعة الإمام واجبة، وأنَّ مَن سبقه متعمِّدًا أثم، ولا تبطُل صلاته حتَّى يَخرج عن حيِّز الائتمام، وإلاَّ أن يفعله سهوًا، فلا إثمَ عليه؛ لأنَّه معذور،، والله أعلم.