طهارة الجاعد
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: فقه الطهارة - استشارات تربوية وأسرية -
اشتريتُ جاعدًا -جلد لحيوان بالفرو بدون أن يُزال الفرو أو الشعر، مثل الأغنام والدببة- من محلٍّ بالسعودية، ولكن مكان صنعِه بالسويد، ولا أعلم طهارتَه، فهل يجوز استِخدامه كسجَّاد في الأرض؟ وما هي شروط استِخْدام الجلود في اللبس والأثاث؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فيُباح استِعمال جلود الميتة بعد دبْغِها، وتَطْهر بالدباغ -ظاهرًا وباطنًا، وفي اليابسات والمائِعات- جميعُ جلود الميتة إلاَّ الكلْبَ والخنزير؛ لما روى البخاري ومسلمٌ عن ابن عباس قال: تُصدِّق على مولاةٍ لميمونةَ بشاةٍ، فماتت، فمرَّ بِها رسولُ اللَّه صلَّى الله عليْه وسلَّم فقال: "هلاَّ أخذتُم إهابَها فدبغتموه، فانتفعْتُم به"، فقالوا: إنَّها ميتة، فقال: "إنَّما حرم أكلُها"، وفي لفظ: "إذا دُبغ الإهاب، فقد طهر" (رواه مسلم)، وعند الأرْبعة بلفظ: "أيّما إهابٍ دُبِغ".
وهو مذهب الشَّافعي؛ ولأن الكلب والخنزير نجسا العين فلا يعمل فيهما التَّطهير كالبوْل والعذرة، واستثنى أبو حنيفة الخنزيرَ فقط، وهو قول المالكيَّة؛ إلاَّ أنَّهم قالوا: يطهر ظاهرُه ولا يطهر باطنه، فلا ينتفع به في المائعات، ويُستعمل في اليابسات فقطْ، ولا يُلبس في الصَّلاة، ويلبس في غيرها، وهو تفصيل لا دليلَ عليه.
وذهب أحمد -في أشْهر الروايتين عنْه- إلى أنَّه لا يطهر شيءٌ من جلود الميتة بالدباغ، ورُوي هذا القول عن عُمَر بن الخطَّاب، وابنِه عبدالله، وعائشة، وإحْدى الروايتينِ عن مالك؛ لحديث عبدالله بن حكيم قال: أتانا كتابُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قبل موتِه: "ألاَّ تنتفِعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" (رواه أحمد وأصْحاب السُّنن).
وضعف بعضهم حديث ابن عكيم هذا، والصواب أنه صحيح، ويمكن التوفيق بينه وبين حديث ابن عباس وما في معناه من الأحاديث بأن حديث ابن عكيم مخصوص بالجلد قبل دبغه؛ فهو الذي يسمى إهابًا في لغة العرب، فإذا دبغ سمي جلدًا.
وقيل: يطهر بالدّباغ جميع جلود الميتة -بما فيها الكلْب والخنزير- ظاهرًا وباطنًا، واحتجُّوا بعموم حديث ابن عبَّاس، وأجيب بأنَّه مخصوص بما ذُكِر من نجاسة الكلْب والخنزير الأصليَّة.
قال الشَّوكاني في "النَّيل": "فالحقُّ أنَّ الدِّباغ مطهِّر، ولم يعارض أحاديثَه معارضٌ، من غير فرق بين ما يُؤْكل لحمُه وما لا يؤكل، وهو مذهب الجمهور، قال الحازمي: وممَّن قال بذلِك -يعْني: جوازَ الانتِفاع بجلود الميتة-: ابن مسعودٍ وسعيد بن المسيّب وعطاء بن أبي رباح، والحسن بن أبي الحسن والشَّعبي وسالم -يعني: ابن عبدالله- وإبراهيم النخعي وقتادة والضحَّاك، وسعيد بن جُبَير ويَحيى بن سعيد الأنصاري ومالك، واللَّيث والأوْزاعي والثَّوري، وأبو حنيفة وأصحابُه وابن المبارك، والشَّافعي وأصحابُه وإسحاق الحنظلي، وهذا هو مذهب الظَّاهرية كما سيأتي".
وعليه؛ فيجوز استِعْمال الجاعد المذْكور؛ لأنَّه أما أن يكون جلد حيوان مذبوح ذبحًا صحيحًا، فهذا جائز بالإجماع، أو يكون جلدَ ميتة وهو يطهر بالدِّباغ كما سبق؛ إلاَّ إن يكون جلْد كلْبٍ أو خِنْزير،، والله أعلم.