حكم بيع الذهب بالذهب مع اختلاف العيار
حسام الدين عفانه
- التصنيفات: الربا والفوائد -
لديَّ ذهب عيار 18 أريد بيعه بذهب عيار 21 ولكن وزنه أقل، فما حكم ذلك؟
الذهب من الأموال التي يجري فيها الربا باتفاق أهل العلم، ويشترط في بيع الذهب بالذهب أمران، أولهما: اتحاد الوزن أي التساوي في الوزن، والثاني: التقابض في مجلس العقد، وقد صح في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلًا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض -أي لا تزيدوا-، ولا تبيعوا الوَرِق- الفضة - بالورق إلا مثلًا بمثل بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز" (رواه البخاري ومسلم).
قال الإمام النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا سواء بسواء"، قال العلماء: هذا يتناول جميع أنواع الذهب والورق، من جيدٍ ورديءٍ وصحيحٍ ومكسورٍ وحليٍ وتبرٍ وغير ذلك، وسواء الخالص والمخلوط بغيره وهذا كله مجمع عليه" (شرح النووي على صحيح مسلم 4/195).
وقال الحافظ ابن عبد البر: "والسنة المجتمع عليها أنه لا يباع شيءٌ من الذهب عينًا كان أو تبرًا، أو مصوغًا، أو نُقرةً -القطعة المذابة-، أو رديئًا، بشيء من الذهب، إلا مثلًا بمثلٍ يدًا بيدٍ، وكذلك الفضة عينها ومصوغها وتبرها والبيضاء منها والسوداء، والجيدة والرديئة سواء، لا يباع بعضها ببعض إلا مثلًا بمثل يدًا بيد، من زاد أو نقص في شيء من ذلك كله أو أدخله نظرة فقد أكل الربا". (الكافي في فقه أهل المدينة ص 302).
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: "والجيد والرديء والتبر والمضروب والصحيح والمكسور سواء في جواز البيع مع التماثل، وتحريمه مع التفاضل، وهذا قول أكثر أهل العلم" (المغني 4/8 ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب وزنًا بوزن مثلًا بـمثل، والفضة بالفضة وزنًا بوزن مثلًا بـمثل، فمن زاد أو استزاد فهو ربا" (رواه مسلم).
وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنًا بوزن" (رواه مسلم).
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب، تبرها وعينها، والفضة بالفضة، تبرها وعينها، والبر بالبر مدى بمدى، والشعير بالشعير مدى بمدى، والتمر بالتمر مدى بمدى، والملح بالملح مدى بمدى، فمن زاد أو ازداد فقد أربى، ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدًا بيد، وأما نسيئة فلا، ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يدًا بيد، وأما نسيئة فلا" (رواه أبو داود والنسائي والطحاوي والبيهقي، وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود).
ويؤخذ من هذه الأحاديث وغيرها أن الأموال الربوية أي التي يجري فيها الربا لا يجوز بيع بعضها ببعض إلا إذا تساوى الوزن وتم القبض في مجلس العقد.
وقرر الفقهاء أن الجيد والرديء في باب الربا سواء، فلا يصح بيع الرديء منها بالجيد مع اختلاف الوزن، وكذلك القديم بالجديد، ويدل على ذلك ما ثبت في الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر، فقدم بتمرٍ جنيب -أي جيد- فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكلُّ تمر خيبر هكذا"؟ قال: لا والله يا رسول الله، إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع -تمر رديء-، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تفعلوا ولكن مثلًا بمثل، أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا وكذلك الميزان" (رواه مسلم)، وفي رواية أخرى عند مسلم: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا".
ويدل على ذلك أيضًا ما ثبت في الحديث عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: جاء بلال بتمر برني- تمر جيد-، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أين هذا"؟ فقال بلال: "تمرٌ كان عندنا رديء، فبعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي صلى الله عليه وسلم"، فقال رسـول الله صلى الله عليه وسلم: "أوه، عيـن الـربا لا تـفـعـل، لكن إذا أردت أن تـشـتـري التمر فبعه ببيعٍ آخر ثم اشتر به" (رواه مسلم)، وفي رواية أخرى عند مسلم: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا الربا فردوه ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا".
فهذه الأحاديث تؤكد على أنه لا أثر للجودة والرداءة في باب الربا، يقول ابن جزي المالكي:"كما يحرم التفاضل في الوزن يحرم التفاضل في القيمة، مثل أن يبدل ذهبًا بذهب أفضل منه وآخر أدون منه" (القوانين الفقهية لابن جزي ص166).
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: "بيع الجيد بالرديء: يرى أكثر أهل العلم أن الجيد والرديء من الربويات سواء في جواز البيع مع التماثل وتحريمه مع التفاضل، لقوله عليه الصلاة والسلام (جيدها ورديئها سواء)، ولأن تفاوت الوصف لا يعد تفاوتًا عادة، ولو اعتبر لأفسد باب البياعات، إذ قلما يخلو عوضان عن تفاوت ما، فلم يعتبر، وحديث (جيدها ورديئها سواء) أورده الزيلعي في نصب الراية 4/37 وقال: غريب،- أي لا أصل له- ولكن معناه يؤخذ من إطلاق حديث أبي سعيد "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، مثلا بمثل، يدًا بيد"" (انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 22/172).
وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين: "لو كانت الزيادة في ذهب بادل بها في ذهب آخر وأخذ زيادة في الذهب الآخر فهذا حرام، لأن بيع الذهب بالذهب لا يجوز إلا وزنًا بوزن ويدًا بيد، كما ثبت بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا بعت ذهبًا بذهب ولو اختلفا في الطيب، يعني أحدهما أطيب من الآخر، فإنه لا يجوز إلا مثلًا بمثل سواء بسواء يدًا بيد، فلو أخذت من الذهب عيار (18) مثقالين بمثقال ونصف من الذهب عيار) (24)، فإن هذا حرام ولا يجوز، لأنه لابد من التساوي، ولو أخذت مثقالين بمثقالين من الذهب ولكن تأخر القبض في أحدهما، فإنه لا يجوز أيضًا، لأنه لابد من القبض في مجلس العقد، ومثل ذلك أيضاً بيع الذهب بالأوراق النقدية المعروفة، فإنه إذا اشترى الإنسان ذهبًا من التاجر أو من الصائغ لا يجوز له أن يفارقه حتى يسلمه القيمة كاملة، إذ إن هذه الأوراق النقدية بمنزلة الفضة وبيع الذهب بالفضة يجب فيه التقابض في مجلس العقد قبل التفرق، لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد"" (الفتاوى الذهبية للعلامة ابن عثيمين). وبناءً على ما تقدم فإنه لا يجوز بيع ذهبٍ بذهبٍ إلا إذا اتحدَّ وزنُهما، لأن الأجناس الربوية إذا بيع الواحد بجنسه فلا يجوز فيه التفاضل( الزيادة)، فمن باع شيئًا منه بشيءٍ بزيادة أحد الشيئين على الآخر، وهو ربا الفضل عند الفقهاء، فقد ارتكب محظورًا عظيمًا، ووقع في الربا، ومعلوم أن تحريم الربا قطعي في كتاب الله عز وجل وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الربا من أكبر الكبائر، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ . إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:275- 279].
وثبت في الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء" (رواه مسلم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات"، قالوا: "يا رسول الله وما هن" ؟ قال: "الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" (رواه البخاري ومسلم).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الربا ثلاثة وسبعون شعبة أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه" (رواه الحاكم وصححه وقال العلامة الألباني: صحيح) (انظر صحيح الجامع الصغير 1/633).
وقال صلى الله عليه وسلم: "درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ست وثلاثين زنية" ( رواه أحمد، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح مجمع الزوائد 4/117. وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 3/29).
وخلاصة الأمر أن بيع الذهب بالذهب يعتبر من باب بيع الجنس بالجنس، فالذهب عيار (24) أو عيار (21) أو عيار(18)، كلها جنس واحد، فأنواع الذهب المختلفة، تعتبر جنسًا واحدًا في باب الربا، وهذا يشترط فيه التماثل -التساوي- والقبض في مجلس العقد، وعليه يحرم شرعًا بيع ذهب عيار (18) بذهب عيار (21) أقل منه وزنًا لانتفاء التماثل.
تاريخ الفتوى: الجمعة 03- ديسمبر- 2010.