أم فقدت فلذة كبدها في حادث سير فهل عليها كفارة؟
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: فقه الجنايات والحدود -
نحن نسكن في قرية يوجد بها بعضُ الشوارع الرئيسة، ونحن نسكن بجوار أحدها؛ حيث نسكن في الجِهَة اليُمنى منه، ويوجد لدينا بقالة على الجهة اليُمْنَى من ذلك الشارع، طَلَبَ مني ابني البالغ منَ العمر ست سنوات ريالاً؛ لشراء بعض الأغراض له، فقطع الشارع لأصحابه، فدهسته سيارة، وتوفِّي حينها، فهل عليَّ يا شيخ صيام؛ حيثُ إنني لم أَقُمْ أنا بإرساله؟ ولو أنه ذهب منَ المنزل إلى البقالة لم يتوجبْ عليه قطع الشارع؟ وهو سليم معافَى جسديًّا وعقليًّا، وحيث إنَّ الخطأ تَقَرَّر منَ الشرطة أنه يقع بالكامل على السائق الذي دهسه، مع العلم أنه ليس الوحيد الذي يذهب من أبناء الحي، وليستْ أول مرة له. ولكن سؤالي يا شيخ: هل علينا ذنب أنا وأبوه؛ حيث إننا كنَّا نَضْربه في بعض الأحيان، وقد لا نُلَبِّي له بعض الطَّلَبات، وإننا عندما نذكره نبكي؟ فهل علينا شيء؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكلُّ شيء عنده بأجلٍ مسمَّى، فلتَصْبري ولتحتسبي، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ونسأل الله أن يَتَغَمَّدَ ابنك بواسع رحمته، وأن يجمعكِ وإيَّاه في جنته، وأن يلهمكِ ووالده الصبر والسلوان، وأن يعظم لكما المثوبة والأجْر، وأن يخلفَ لكِ خيرًا.
ونُبَشِّركِ بما وعد الله به مَن ابتلاهم فصبروا في محكم كتابه، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157].
وفي "صحيح البخاري": عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى: ما لعبدي جزاء إذا قبضت صفيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه؛ إلاَّ الجنة".
وروى الإمام أحمد والترمذي، من حديث أبي موسى الأشعري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: "قبضتم ولد عبدي؟"، فيقولون: نعم، فيقول: "قبضتم ثمرة فؤاده؟"، فيقولون: نعم، فيقول: "ماذا قال عبدي؟"، فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: "ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسموه بيت الحمد"".
أما بِخُصوص سؤالك، فإن كان الأمرُ كما ذكرتِ، فليس عليك شيء، وإنما الدِّية والكفَّارة على السائق الذي تَسَبَّبَ في الموت، وما دامت الجهات المختصة -وهي الشرطة- قد قررتْ أن المسؤولية تقع بالكامل على السائق، فلا يلزمك ووالده تبعة، لا سيما وأن السكن والبقالة يقعان في جهة واحدة، ولا يلزم منَ الذهاب للبقالة قطع الطريق.
أما قيامك أنت ووالده بِضَرْبه في بعض الأحيان أو حرمانه من بعض الأغراض، فهذا وغيره مما يفعله الوالدان غالبًا على سبيل تأديب الغلام.
فالتأديب: هو الضَّرْب والوعيد والتعنيف، مع ما يجب على وليِّ الصبي مِن تَعْلِيمه، وقديمًا قالتِ العرب: لن تضر الحوار وطأة أمِّه.
قال الفرزدق:
وقال أبو تمام:
فَقَسَا لِتَزْدَجِرُوا وَمَنْ يَكُ حَازِمًا *** فَلْيَقْسُ أَحْيَانًا وَحِينًا يَرْحَمُ
أمَّا ما تشعر به السائلةُ الكريمة وزوجها مِن تحرُّج وحزن بسبب شدتهما أحيانًا على ولدهما تأديبًا، فلا تلتفتا إليه؛ لأنكما فعلتما ذلك لمنفتعه ومصلحته، ومن القواعد المقررة أن الأمور بمقاصدها.
وما حدث هو أمرٌ قَدَّرَهُ الله تعالى عليه قبل أن يخلقَ السماوات والأرض، وشأن المؤمن في ذلك هو الصبر والرضا، والحمدُ لله تعالى على كلِّ حال؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير! وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْه سراء شَكَر، فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضراء صبر، فكان خيرًا له" (رواه مسلم عن صُهيب)،، والله أعلم.