أسباب تحريم التسويق الشبكي

حسام الدين عفانه

  • التصنيفات: فقه المعاملات -
السؤال:

قرأت فتواكم بتحريم التسويق الشبكي الذي تمارسه شركة كويست، ولكن كثيراً من الطلبة يناقشون في تحريمها ويقولون إن المشايخ الذين أفتوا بالتحريم لم يُشرح لهم عملُ الشركة بطريقة صحيحة، فهلا زدتم الأمر توضيحاً؟

الإجابة:

راجعني عددٌ من الطلبة من جامعات مختلفة، وناقشوني في طبيعة التسويق الشبكي، وكيفية تعامل شركة كويست، وتبين لي مدى انتشار التعامل مع شركة كويست، وخاصة في أوساط الطلبة لما يتوهموه من تحقيق أرباح!

وقد أعدتُ دراسة الموضوع من جديدٍ واطلعت على ما كُتب فيه من جهة المتعاملين مع شركة كويست ومعظمهم من الشباب وليس عند أكثرهم خلفية في المعاملات الشرعية، وإنما دافعهم الكسب المادي السريع وبدون بذل جهدٍ حقيقي، حيث إن العمل مع شركة كويست يتم عبر شبكة الإنترنت، واطلعت على آراء المحرمين لمعاملة شركة كويست من علماء الشريعة، وقد ازددتُ قناعةً بتحريم التعامل بالتسويق الهرمي والتسويق الشبكي الذي تمارسه شركة كويست، وأؤكد على أسس التحريم التي ذكرتها في فتويين سابقتين، وأزيد المسألة توضيحاً بذكر أهم أسباب تحريم التسويق الشبكي الذي تمارسه شركة كويست، وأذكر عدداً من فتاوى أهل العلم المعاصرين حتى يطلع عليها من أراد، ولأن المقام لا يتسع للتفصيل.

وأسباب التحريم ما يلي:

أولاً: التكييف الفقهي لمعاملات التسويق الشبكي أنه بيع نقود بنقودٍ، وهو من الربا المحرم شرعاً، فالمشترك يدفع مبلغاً قليلاً من المال ليحصل على مبلغ كبير، فالعملية بيع نقودٍ بنقود مع التفاضل والتأخير، وهذا هو الربا المحرم بالنصوص القطعية من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأجمعت الأمة على تحريمه.

ثانياً: هذه المعاملة من الغرر المحرم شرعاً، لأن المشترك لا يدري هل ينجح في تحصيل العدد المطلوب من المشتركين أم لا؟ والتسويق الشبكي أو الهرمي مهما استمر فإنه لا بد أن يصل إلى نهاية يتوقف عندها، ولا يدري المشترك حين انضمامه إلى الهرم هل سيكون في الطبقات العليا منه فيكون رابحاً، أو في الطبقات الدنيا فيكون خاسراً؟ والواقع أن معظم أعضاء الهرم خاسرون إلا القلة القليلة في أعلاه، فالغالب إذن هو الخسارة، وهذه هي حقيقة الغرر، وهي التردد بين أمرين أغلبهما أخوفهما، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر (رواه مسلم) فتوى اللجنة الدائمة.

ثالثاً: السلع التي تبيعها الشركة ليست مقصودة لذاتها وإنما هي ستار للعملية، فهي غير مقصودة للمشتركين،فلا أثر لوجودها في الحكم. جاء في فتوى اللجنة الدائمة: هذا النوع من المعاملات محرم، وذلك أن مقصود المعاملة هو العمولات وليس المنتج، فالعمولات تصل إلى عشرات الآلاف، في حين لا يتجاوز ثمن المنتج بضع مئات، وكل عاقل إذا عرض عليه الأمران فسيختار العمولات، ولهذا كان اعتماد هذه الشركات في التسويق والدعاية لمنتجاتها هو إبراز حجم العمولات الكبيرة التي يمكن أن يحصل عليها المشترك، وإغراؤه بالربح الفاحش مقابل مبلغ يسير هو ثمن المنتج، فالمنتج الذي تسوقه هذه الشركات مجرد ستار وذريعة للحصول على العمولات والأرباح.

رابعاً: وجود القمار في معاملة شركة كويست فالمشترك يدفع مالاً مخاطراً به تحت تأثير إغرائه بعمولات التسويق التي تدر له أرباحاً كبيرةً إذا نجح في جمع عددٍ كبيرٍ من الأشخاص، ويعتمد نظام العمولة في شركات التسويق الشبكي على إحضار مشتركين آخرين يقسمهم إلى مجموعتين إحداهما على اليمين والأخرى على الشمال ولا بد من تساوي المجموعتين كي يحصل المشترك على العمولة، والمال الذي دفعه المشترك فيه المخاطرة فربما يحصل على العمولة إذا أحضر العدد المطلوب من المشتركين الآخرين وربما يخسر إذا لم يتمكن من إحضارهم. وهذا هو وجه المقامرة في شركة كويست، ومن المعلوم أن القمار من المحرمات، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90].

وكذلك فإن أخذ العمولات كلما باع المشتري الذي جاء عن طريق المشترك الأول يعتبر من باب أكل أموال الناس بالباطل وهو من المحرمات. وأخذ العمولات المعتبر شرعاً إنما يكون مقابل الجهود الفعلية التي يبذلها الشخص الوسيط.

خامساً: التسويق الشبكي (يُعد من صور الغش والاحتيال التجاري، وهو لا يختلف كثيراً عن التسويق الهرمي الذي منعت منه القوانين والأنظمة، فالتسويق الشبكي كالهرمي يجعل أتباعه يحلمون بالثراء السريع، لكنهم في الواقع لا يحصلون على شيء، لأنهم يقصدون سراباً، بينما تذهب معظم المبالغ التي تم جمعها من خلالهم إلى أصحاب الشركة والمستويات العليا في الشبكة. ولذلك منعت العديد من الدول من التسويق الشبكي -بعض الدول العربية منعت التسويق الشبكي- وحذرت الجمهور من الوقوع في مصيدة الشركات التي تعمل في هذا النمط من التسويق، لقناعتها بأنه لا يعدو أن يكون صورة من صور الغش والخديعة) فتوى د. نايف العجمي عن الإنترنت.

سادساً: في هذه الشركة أكلٌ لأموال الناس بالباطل خديعةً وغشاً وتدليساً، وهذا الذي جاء النص بتحريمه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء:29].

سابعاً: أذكر هنا نتفاً من فتاوى أهل العلم المعاصرين القائلين بتحريم التعامل بالتسويق الشبكي، وأذكر موقع الفتوى على الشبكة العنكبوتية لمن أراد الرجوع إليها:

(1) فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية ونصها: (... ولما كانت هذه هي حقيقة هذه المعاملة، فهي محرمة شرعاً لأمور...). http://ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=167266

(2) فتوى مجمع الفقه السوداني وورد فيها: (... العلة الشرعية التي بُنِيَتْ عليها فتوى حظر شركات التسويق الشبكي الصادرة من المجمع قبل خمس سنوات تتمثل في كونه قماراً.. بناءً على ما سبق فإن المجمع يرى أن عمل شركة كويست نت بالسودان في خطتيها القديمة والجديدة لا يجوز العمل به لكونه قماراً حرَّمه الشرع، وبسبب مخالفتهم الصريحة لفتوى المجمع في ذلك). http://www.google.com/webhp

(3) فتوى د. يوسف الشبيلي: (لا يجوز الاستثمار في هذه الشركة لأنها قائمه على التسويق الشبكي والسلع التي فيها ليست مقصوده وإنما المقصود هو العموله فالمتاجره فيها أو التعامل فيها يشتمل على الربا والغرر). http://www.shubily.com/index.php?news=275

(4) فتوى د. سامي السويلم عضو الهيئة الشرعية لشركة الراجحي: (الإسلام هو دين الفطرة، والشريعة الإسلامية قائمة على العدل ومنع الظلم، فإذا أدرك العقلاء ما في هذه المعاملة من الغش والاستيلاء على أموال الآخرين بغير حق ودعوا من ثم إلى منعها، فالإسلام أولى بذلك. ويمكن تعليل القول بحرمة الاشتراك في هذا النوع من البرامج بالأسباب التالية: 1

. أنه أكل للمال بالباطل. 2

. ابتناؤه على الغرر المحرم شرعاً) www.islamtoday.net

(5) فتوى دار الإفتاء الفلسطينية وورد فيها: (... وبناءً على ما تقدم ذكره فإن التعامل مع هذه الشركة حرام شرعاً). www.darifta.org/majlesnew/d173

(6) فتوى الشبكة الإسلامية: (قلنا بحرمة التسويق الشبكي والذي تمارسه الشركات المذكورة وأمثالهما لما يشتمل عليه من غرر وأكل لأموال الناس بالباطل، فالسلعة في هذا النظام غير مقصودة وإنما المقصود العمولات الموعود بها). www.islamweb.net/fatwa

(7)فتوى د.عبدالله الطيار على موقعه: www.m-islam.net

(8) فتاوى د.أحمد الحجي الكردي له عدة فتاوى على موقعه: www.islamic-fatwa.net

(9) فتاوى د. حسين شحاتة له عدة دراسات على موقعه: http://www.darelmashora.com

(10) عدة فتاوى لكل من الشيخ محمد صالح المنجد، د.أحمد السهلي، د.إبراهيم الضرير، د.عبد الحي يوسف، الشيخ يحيى الزهراني وكلها منشورة على موقع صيد الفوائد http://www.saaid.net/fatwa/f41.htm

(11) فتوى الشيخ محمود عكام منشورة على موقعه www.eftaa-aleppo.com/fatwa/index.php?module=fatwa&id

(12) فتوى د.سعود الفنيسان عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام www.islamfeqh.com/News/NewsItem.aspx?NewsItemID=353

(13) فتوى لجنة الإفتاء الأردنية: (وننبه هنا إلى أن شركات التسويق الشبكي والهرمي تنوعت طرقها، واختلفت أساليبها، ونظراً لاشتمالها على المحاذير السابقة فإن حكمها هو التحريم). http://www.aliftaa.jo/index.php/ar/fatwa/show/id/1995

(14) فتوى مفتي الأردن السابق د. نوح سلمان منشورة www.aliftaa.jo/index.php/ar/fatwa/show/id/644

ومن الأبحاث المنشورة:

(أ) حكم التسويق بعمولة هرمية دراسة فقهية قانونية مقارنة -أحمد سمير قرني منشور على موقع: http://iefpedia.com/arab/?p=26704

(ب) شركات التسويق الشبكي دراسة فقهية مقارنة لعمار الضلاعين.

(ج) التسويـــــق الشبكـــــي تكييفه وأحكامه الفقهية بندر بن صقر الذيابي، رسالة ماجستير في جامعة محمد بن سعود الإسلامية. وغير ذلك من الفتاوى والدراسات.

وختاماً فإنني أرجو أن يقتنع المتعاملون بالتسويق الشبكي بحرمته لما ذكرت أعلاه، وأن يبحثوا عن الكسب الحلال، وأن يبتعدوا عن المحرمات، وعن المشتبهات. فقد جاء في الحديث عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" (رواه البخاري ومسلم).

وخلاصة الأمر أن التسويق الشبكي محرمٌ شرعاً لاشتماله على عدة أمور مبطلة للعقد كالربا بنوعيه النسيئة والفضل، والقمار والغرر والغش والخداع، وأنصح الناس أن لا ينخدعوا بما تروجه الشركة ووكلاؤها من الربح السريع فكل ذلك من الكسب غير المشروع. ومن أراد التوسع في البحث فليرجع للمواقع التي ذكرتها.

تاريخ الفتوى: 30-03-2012.