أحكام وآداب التسوق
حسام الدين عفانه
- التصنيفات: الآداب والأخلاق -
أصبح التسوق أمراً يومياً يمارسه الناس فهلا ذكرتم لنا شيئاً من أحكام التسوق وخاصة ما يتعلق بالنساء؟
لا شك أن الإسلام قد نظم جميع نواحي حياة الفرد المسلم والمجتمع المسلم، وقد اعتنى العلماء ببيان الأحكام والآداب المتعلقة بالسوق قديماً وحديثاً، وأكتفي بذكرين مرجعين أحدهما لعالمٍ متقدم وهو أحـكـــــام السُّــــوقِ للإمام الفقيه أبي زكريا يحيى الكناني الأندلسي المتوفي 289هـ والآخر لمعاصر وهو أحكام السوق في الإسلام لأحمد الدريويش.
وقد ورد ذكر الأسواق في الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان:20].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرتاد الأسواق حتى إن المشركين عابوه بذلك، كما قال الله تعالى حاكياً عنهم: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان:7].
وقال الإمام البخاري: باب ما ذكر في الأسواق وقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لما قدمنا المدينة قلت هل من سوق فيه تجارة؟ قال: سوق قينقاع.
وقال أنس قال عبد الرحمن: "دلوني على السوق"، وقال عمر: "ألهاني الصفق بالأسواق".
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: قوله: (باب ما ذكر في الأسواق) قال ابن بطال: أراد بذكر الأسواق إباحة المتاجر ودخول الأسواق للأشراف والفضلاء وكأنه أشار إلى ما لم يثبت على شرطه من أنها شر البقاع، وهو حديث أخرجه أحمد والبزار وصححه الحاكم من حديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحب البقاع إلى الله المساجد، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق" (إسناده حسن).
قال ابن بطال: وهذا خرج على الغالب، وإلا فرب سوق يذكر فيها الله أكثر من كثير من المساجد...والغرض منه هنا ذكر السوق فقط وكونه كان موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم, وكان يتعاهده الفضلاء من الصحابة لتحصيل المعاش للكفاف وللتعفف عن الناس (فتح الباري 4/429).
ومن واجب المسلم أن يلتزم بالأحكام الشرعية في كل أقواله وأفعاله، وأن يتعلم الأحكام الشرعية التي تعينه على ذلك، قال عطاء من التابعين: "مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام كيف تشتري وتبيع وتصلي وتصوم وتنكح وتطلق وتحج وأشباه هذا" (الآداب الشرعية 2/34).
وقال الشوكاني: التفقه في الدين مأمورٌ به في كتاب الله عز وجل، وفي صحيح الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس ذلك بخاصٍ بنوعٍ من أنواع الدَّين، بل في كل أنواعه، فيندرج تفقه التاجر للتجارة تحت الأدلة العامة، ولا شك أن أنواع الدَّين تختلف باختلاف الأشخاص دون بعض، فمثلاً التاجر المباشر للبيع والشراء أحوج لمعرفة ما يرجع إلى ما يلابسه من غيره ممن لا يلابس البيع إلا نادراً (وبل الغمام 2/122).
إذا تقرر هذا فسأذكر أهم الأحكام والآداب الخاصة بالمتسوقين فقط، لأن المقام لا يتسع لذكر أحكام السوق بشكل عامٍ:
أولاً: من دخل السوق فيستحب له أن يدعو بهذا الدعاء الذي ورد في الحديث عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يدخل السوق لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير كله وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة،ومحا عنه ألف ألف سيئة وبنى له بيتاً في الجنة" (رواه ابن ماجة وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 2/21). فهذا الحديث يدل على أن هذا الدعاء مشروع عند دخول السوق، ويشمل ذلك محلات البيع والشراء وإن كانت منفردة.
ثانياً: ينبغي للمسلم أن لا يذهب للسوق إلا عند الحاجة، لما في كثرة التردد على الأسواق من حرصٍ على الدنيا، ومن الافتتان بملاذها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها،وأبغض البلاد إلى الله أسواقها" (رواه مسلم).
قال الإمام النووي: قوله: (وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) لأنها محل الغش والخداع والربا والأيمان الكاذبة وإخلاف الوعد والإعراض عن ذكر الله وغير ذلك مما في معناه. والحب والبغض من الله تعالى إرادته الخير والشر أو فعله ذلك بمن أسعده أو أشقاه. والمساجد محل نزول الرحمة، والأسواق ضدها (شرح النووي على صحيح مسلم2/475).
واحذر أخي المسلم أن تكون من المتكالبين على الدنيا الحريصين عليها، فلا تكونن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فإن ذلك شرٌ عظيمٌ، فقد روى الإمام مسلم عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: "لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته".
قال الإمام النووي: قوله في السوق (إنها معركة الشيطان) فشبه السوق وفعل الشيطان بأهلها ونيله منهم بالمعركة; لكثرة ما يقع فيها من أنواع الباطل كالغش والخداع, والأيمان الخائنة, والعقود الفاسدة, والنجش, والبيع على بيع أخيه, والشراء على شرائه, والسوم على سومه, وبخس المكيال والميزان. قوله (وبها ينصب رايته) إشارة إلى ثبوته هناك, واجتماع أعوانه إليه للتحريش بين الناس, وحملهم على هذه المفاسد المذكورة, ونحوها, فهي موضعه وموضع أعوانه (شرح النووي على صحيح مسلم 6/8-9).
ثالثاً: إفشاء السلام فهو من السنن الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد صح في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: "أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" (رواه البخاري ومسلم).
رابعاً: المحافظة على الصلاة ولا يشغله السوق عنها، وخاصة صلاة الجمعة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:9-10].
وصلاة الجمعة فرض على كل مسلم بإجماع الأمة والأئمة إلا من استثني وقد أمر الله بالسعي إلى ذكر الله وأمر بترك البيع لما فيه من إشغالٍ عن الصلاة.
خامساً: الالتزام بالآداب الشرعية في التخاطب والكلام، فلا يجوز للمسلم أن يكون سخَّاباً في الأسواق، قال الإمام البخاري في صحيحه: (باب كراهية السَّخب في الأسواق) قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: وهو رفع الصوت بالخصام... وأخذت الكراهة من نفي الصفة المذكورة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما نفيت عنه صفة الفظاظة والغلظة. وأورد المصنف فيه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، والغرض منه قوله فيه (ولا سخابٍ في الأسواق) (فتح الباري 6/447).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم وهيشات الأسواق" (رواه مسلم)، وهيشات جمع هيشة وهي الخصومات والمنازعات واللغط وارتفاع الأصوات.
سادساً: كف الأذى عن الناس، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إذا مرَّ أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبلٌ-سهام- فليمسك على نصالها، أو قال: فليقبض بكفه أن يصيب أحداً من المسلمين منها شيء" (رواه البخاري ومسلم). ويقاس على النبل جميع صور الأذى.
سابعاً: عدم قراءة القرآن الكريم في السوق، لأن قراءته في السوق يدخل في عدم تعظيمه، لأن الغالب في السوق ارتفاع الأصوات والانشغال بالبيع والشراء وعدم الاستماع للقرآن.
ثامناً: السماحة في البيع والشراء، فالسهولة والسماحة في البيع والشراء أمرٌ مطلوبٌ شرعاً فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى" (رواه البخاري).
تاسعاً: غض البصر من الرجال والنساء: قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:31-32].
عاشراً: التزام المرأة باللباس الشرعي بشروطه الشرعية فيغطي جميع البدن ما عدا الوجه والكفين ولا يشف ولا يصف قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59]. وقال تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31]. فيحرم شرعاً أن تتزين المرأة عند خروجها من بيتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة استعطرت ثم خرجت،فمرت على قومٍ ليجدوا ريحها؛فهي زانية" (رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح وحسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب2/451).
وكذا الالتزام بآداب التخاطب، وخاصة من المرأة قال الله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب:32]. قال الشيخ ابن كثير في تفسير الآية: ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم (تفسير ابن كثير 3/482).
وينبغي الحذر الشديد من استعمال غرف القياس في محلات بيع الألبسة النسائية لاحتمال وجود آلات التصوير الخفية، فعن عائشة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما "من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها" (رواه الترمذي وقال حديث حسن ورواه أبو داود وابن ماجة وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/40).
حادي عشر: شراء المواد التي يحتاجها الشخص فعلاً والبعد عن التبذير والإسراف، فلا بد من ترشيـــــد الاستهــــــــــلاك، والحرص على شراء منتجات المسلمين ومقاطعة منتجات الدول المعادية للمسلمين مهما استطاع لذلك سبيلاً. وكذلك الامتناع من التسوق من المحلات التي تبيع المحرمات كالخمور.
ثاني عشر: التقليل من الاستدانة فلا يستدين إلا للحاجة فعن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ في صلاته كثيراً من المأثم والمغرم -الإثم والدَّين- فقيل له: يا رسول الله، ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: إن الرجل إذا غرم -أي استدان- حدث فكذب ووعد فأخلف" (رواه البخاري). وغير ذلك.
وخلاصة الأمر أن الإسلام شرع الأحكام الشرعية لينظم مناحي الحياة المختلفة وواجب المسلم الالتزام بشرع الله عز وجل، ومن ضمن ذلك ما ورد من أحكام شرعية في السوق وآدابها كما فصلته أعلاه.
تاريخ الفتوى:02-03-2012.