هجر المساجد، والدعاء للسلطان، وجماعة التكفير

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -
السؤال:

ما حُكْمُ مَن يهْجُر المَساجِد؟
هل يَجوزُ لِخطيبِ الجُمُعة أن يدعُوَ للسُّلطان عقِبَ خُطْبة الجمعة؟ ومتَى لا يَجوزُ الدُّعاء له؟
ما هو القوْلُ الصَّحيح في الجماعة الَّتِي تُسمَّى بِالهِجْرة والتَّكفير؟ هل هي على صوابٍ أو على خطأ؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن عمارة المساجد دليل على صحة الإيمان؛ قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 18]، وقال ابن مسعود: "من سره أن يلقى الله غدا مسلمًا، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم -صلَّى الله عليه وسلَّم- سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته؛ لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم؛ لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف" (رواه مسلم)، وقال بعض السلف إذا رأيتم الرجل يعمر المسجد فحسنوا به الظن.

والمساجد هي أماكن إقامة جماعة الصلاة وقد سبق أن بينا وجوب صلاة الجماعة في المسجد في فتوى: "حكم صلاة الجماعة".

وعليه فلا يحل لمسلم هجر المساجد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن أئمة المسلمين متفقون على أن إقامة الصلوات الخمس في المساجد، هي من أعظم العبادات، وأجل القربات".

أما دُعاءَ الإمام يومَ الجُمُعة عقِبَ الخُطْبة الثانية فمشروعٌ، وعمل المسلمين قديما وحديثًا أنَّها موضعُ للدُّعاء؛ فقد روى مسلم عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال لي عبدالله بن عمر: أسمعت أباكَ يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه و سلم- في شأن ساعة الجمعة؟ قال: قلت: نعم سمعته يقول سمعت رسول الله -صلى الله عليه و سلم– يقول: "هي ما بين أن يجلس الإمام، إلى أن تقضى الصلاة".

فيدعو الإمام لنفسه وللمسلمين ولِسُلْطانهم؛ فقد قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنَّ الله يرضَى لكُمْ ثلاثًا: يرضى لكم أن تعبُدوه ولا تُشْرِكوا به شيئًا، وأن تَعْتَصِموا بِحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا، وأن تناصحوا مَن ولاَّه الله أمركم، ويسخطُ لكُم: قيل وقال، وإضاعةَ المال، وكثْرَة السُّؤال" (رواه أحمد ومسلم).

وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: "خِيارُ أئمَّتِكم الَّذين تُحبُّونَهم ويُحبُّونَكم، وتُصلُّون عليْهِم ويصلُّون عليْكم، وشِرار أئمَّتِكم الذين تُبْغِضونَهم ويُبْغِضونكم، وتَلْعَنُونَهم ويلعنونَكم" (رواه مسلم).

قال ابن ملفح في "الفُروع": "ويَجوز الدُّعاء لمعيَّن، وقيل: يستحبُّ للسُّلطان، ويسحتبُّ الدُّعاء في الجملة".اهـ.

وقال ابن قُدامة رحِمه الله في "المغني": "وإن دعا لسلطانِ المسلمين بالصَّلاح فحَسَن، وقد روى ضبَّة بن محْصن: أنَّ أبا موسى كان إذا خَطَب، فحمِدَ الله وأثنى عليه، وصلَّى على النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يدعو لعُمر وأبي بكر، وأنكر عليْه ضبَّة البدايةَ بِعُمر قبلَ الدُّعاء لأبي بكر، ورفع ذلِك إلى عُمر، فقال لضبَّة: أنت أوثَقُ منه وأرشَد".

قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين : "ولو كنت ناصحًا لِله ولِكتابه، ولرسولِه ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم، لدعوْت للسُّلطان؛ لأنَّ السُّلطان إذا صلح صلحتِ الرعيَّة".

هذا؛ وقد كره الشافعية الدعاء للسلطان مطلقًا قال الشيرازي في "التَّهْذِيب" إنَّ الدُّعَاء لِلسُّلْطَانِ مَكْرُوه، قال النووي في "المجموع" شارحًا: "وأما الدعاء للسلطان، فاتفق أصحابنا على أنه لا يجب، ولا يستحب، وظاهر كلام المصنف وغيره أنه بدعة، إما مكروه وإما خلاف الأولى؛ هذا إذا دعا له بعينه، فأما الدعاء لأئمة المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح والإعانة على الحق والقيام بالعدل ونحو ذلك ولجيوش الإسلام - فمستحب بالاتفاق.

والمختار أنه لا بأس بالدعاء للسلطان بعينه إذا لم يكن مجازفة في وصفه".

وينبغي ألا يداوم الخطيب على الدعاء للسلطان حتى لا يظن أنه سنة، وإنما يدعو أحيانًا ويترك أحيانًا.

أما متى لا يَجوزُ الدُّعاء للسلطان؟ ففي حال إطرائه، أو الغلو في صفاته، أو لو كان كافرًا أو واقعًا في أمر يكفر به عندنا من الله فيه برهان، فهذا إنما يدعى له بالهداية فقط، كما لا يجوز الدعاء للسلطان الظالم أو المبتدع أو الفاسق بما يعود بالضرر على المسلمين، كالدعاء له بطول العمر ونحوه، وإنما يدعى له بما يناسب الحال، كالدعاء له بالهداية، وأن يرزقه الله بطانة صالحة، ونحو ذلك.

أمَّا جماعة التَّكفير والهجرة، فهي جماعةٌ ظهرتْ في مصر عام 1971م، وتولَّى قيادَتَها رجلٌ يُدْعى شكري مصطفى، ومن أهمِّ أصول الجماعة ما يلي:
1- تكفير مُرتكِب الكبيرة، كما هو مذهب الخوارج قديمًا.
2- طعْنُهم في الصَّحابة وردُّهم لأقوالهم.

3- الحدُّ الأدنى من الإسلام: ويريدون بذلك أنَّ الإسلام يتمثَّل في جُملة من الفرائض التي يَجِبُ أداؤها، فمَنْ لم يؤدِّها، أو قصَّر فيها، أو ترك بعضًا منها فلا يُعْتَبر مسلمًا، ولا شكَّ أنَّ هذا الفهم للإسلام فهمٌ غريبٌ شاذٌّ، لا أساس له ولا سند، فالأمور كلُّها - كما يقول أبو عبيد- يستحقُّ النَّاس بها أسماءَها على ابتدائِها والدُّخول فيها، ثم يفضُل بعضهم بعضًا، وقد شمِلَهم فيها اسمٌ واحد، وكذلك الإيمان، صحيح أنَّ الإسلام يتمثَّل في جملةٍ من الفرائض التي يلزم أداؤُها، ولكن هذا لا يعْنِي أنه لا يُطْلَق اسم الإسلام إلا على مَن قام بِها جميعًا، كما أنَّ مَن قصَّر في أداء بعضٍ منها، لا يسلبُه هذا اسم الإسلام، ولا يُخْرِجُه منه،، والله أعلم.