مسألة العقد والولاية في الزواج من النصرانية
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: فقه الزواج والطلاق -
أنا أعيشُ في بلاد الكفر، وأتعرَّض للفِتن، وأحرِص على اجتِناب الوقوع في المحرَّمات، ولكنَّ الشَّرَّ عارم، والفتن مدلَهمَّة؛ فهل لي أن أتزوَّج من نصرانيَّة زواجًا شرعيًّا ولو لم يسجل قانونًا؟ وكيف يكون الزَّواج الشَّرعي؟ عِلْمًا أنَّ بعض الجمعيَّات الإسلاميَّة في تلك البِلاد لا تُساعِد الشَّباب في مثل هذا الزواج؛ حفاظًا على مصالحِها، فهل لي أن أُخوِّل أمرَ العقد والشَّاهِدَيْن والولاية على المرأة إلى بعضِ المُسلمين، في حالة كوْن أبي المرأة نصرانيًّا، أو مُلحِدًا؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّه يَجوز لِلمسلم أن يتزوَّج الذِّمِّيَّة من أهل الكتاب، يهوديَّةً كانتْ أو نصرانيَّة دون غيرهِما من طوائِف الكُفر؛ كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: 5]، يعني العفيفات من الكتابيَّات دون الفاجِرات، وقد بيَّنَّا ذلك مفصَّلاً في الفتوييْن: (الزواج من امرأة من أهل الكتاب)، "هل يعم النهي عن نكاح المشركات أهل الكتاب؟".
وأمَّا تسجيل عقد النكاح فليس شرطًا في صحَّة النِّكاح، وإنَّما هو أمرٌ زائد على ماهيَّة العقد، المقصود منه صيانة الحقوق لِكِلا الزوجين وتوثيقها، وثبوت النَّسب وغير ذلك، ورفْع الظلم أو الاعتِداء، وراجِع فتوى: "عقد الزواج الذي لم يوثق".
وأمَّا الزَّواج الشرعيُّ، فهو الزَّواج الذي استوفَى أركانَه، وتَحقَّقت فيه شروطُه الشرعيَّة الموجودة في الفتوى السابقة، والمبيَّنة في الفتوى: "حكم زواج السر".
أمَّا مَن يتولَّى عقدَ نِكاح النصرانيَّة أو اليهوديَّة، فهو وليُّها الكافر، ولو أسلمَتْ فلا ولايةَ له عليْها، قال ابن قُدامة في "المغني": "إذا تزوَّج المسلم ذميَّة، فوليُّها الكافر يزوِّجُها إيَّاه، ذكره أبو الخطَّاب، وهو قول أبي حنيفة والشَّافعيِّ؛ لأنَّه وليُّها، فصحَّ تزويجُه لها كما لو زوَّجها كافِرًا".اهـ.
ولكن إن كان وليها ملحدًا وليس كتابيًا، فلا يصلح أن يكون وليًا، فلتوكل أحد المسلمين العدول، ليتولى تزويجها، وراجع فتوى: "مَنْ وليُّ المرأة في النكاح".
وعليه؛ فإنِ اشتمل هذا الزَّواج على الأركانِ والشُّروط، وعدِمَتْ فيه الموانعُ، فهو زواجٌ صحيح، فإن تيسر العقد عن طريق المركز الإسلامي، فبها ونعمت، وإن رفضوا حفاظًا منهم على مصالح المركز، فلك إسناد أمر العقد ومتعلقاته لغيرهم من المُسلمين العدول، بشرط ألا يترتب على ذلك ضرر عليك.
هذا؛ وإن كنا ننبِّهُ الأخ السائل إلى أنَّ نِكاح المؤمنة خيرٌ له من المشركة والكتابيَّة؛ وذلك حرصًا على إقامة أُسرة مُسلمة متماسكة؛ حيثُ إنَّ نِكاح الكتابيَّات تكتَنِفُه مخاطرُ جسام، وعواقب عظام، وآثارٌ سيِّئة على دين الأبناء في المستَقْبل، خاصَّة إذا حدث فراقٌ بينكما أو -لا قدر الله- متَّ قبلَها، فإنَّها ستنفرد بتربية الأولاد على عقيدتِها الباطلة، ودينها المزيف، ويوجد في تلك البلدان الكثير من المسلمات.
ولذلك فالأفضل الابتعادُ عنه؛ قال الله تعالى: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 221]،، والله أعلم.