تكرار الاستخارة، وحكم الزواج بالشاب الذي جرت معه علاقة محرمة
خالد عبد المنعم الرفاعي
أمَّا تكْرار صلاةِ الاستخارة، فجائز؛ لأنَّ صلاةَ الاستِخارة وما يتْبَعُها من دعاء، إنَّما شُرِعَت طلبًا للخيرة منه –سبحانه- فإذا لم يَحصل للمُسْتخير انشِراح وطُمَأْنينة فيما اسْتخار اللهَ فيه.
- التصنيفات: فقه الزواج والطلاق - التوبة -
من 4 سنوات وقعْتُ في حبِّ شابٍّ من أُسْرة مُحترمة، وهُو شابٌّ مُحترم جدًّا، وفي أوْقات كثيرةٍ أعانَنِي على الخَيْر والذِّكْر والصَّلاح.
ولكن لا أُنْكِر أنَّنا وقعْنا في بعْض المعاصي، ونَحن الآنَ في حالةِ ندَم وحَسْرة وعُسْر شديد، وخوفٍ من الله - عزَّ وجلَّ - ونُريد أن نبْدأ صفحةً جديدة، وقرَّر الرَّجُل أن يَستخير في أمر الزَّواج منِّي؛ اتباعًا لسنَّة الرَّسول - عليْه الصَّلاة والسَّلام.
والآن الموضوع يَعْتمد على أهلِه، وأنا أخاف خوفًا شديدًا من عدَم قبول والدتِه أو أهلِه للموضوع؛ إذ إنَّهم حدَّدوا له خياراتٍ سابقًا، ولا أستطيعُ أن أطْلُبَ من إنسانٍ أن يَخسر أهْله من أجْل الزَّواج مني.
فما الحل يا شيخ؟ وهل النَّدم والحُزْن والألم والضيقة التي نُحسُّ بها هي عِقاب من الله، أو تكْفيرٌ للذُّنوب التي سبقت؟
وهل معاصينا سببٌ في أنَّ موضوع الزَّواج بيْننا لا يتم؟ رغم أنَّنا نوَيْنا توبةً نصوحًا لوَجْهِ الله - عزَّ وجلَّ - راجينَ منْه البركة والغُفْران.
هل هناك ضررٌ في الإصْرار على أمر بعد الاستِخارة؛ أي: بما معناه لو لَم نوفَّق بقبولٍ من أهلِه، فهل نُعيد السؤال؟ أم نترُك الموضوع؟ وكيف نفرِّق بين جواب الاستِخارة والعوائق العادية؟
في حال تيسَّرت الأمور، فالجوابُ واضح؛ ولكنْ في حال العسْرة، كيف يعلَم المرء النُّقطة التي يترك بها الموضوع أم يثابر عليْه؟
وأنا أعلم أنَّ العبدَ لا ييْأس من رحْمة الله، ولا يقْنَط من الدُّعاء، ففي حال لَم تتيسَّر الأُمور هل يَجوز المُتابعة بالدُّعاء، بأن يَجمعنا الله بالخَير بعد ذلك؟ أم يَجب الرِّضا بالحال التي تسير به الأمور بعد التَّوكُّل بالاستِخارة؟
كما حصل مع النبي موسى - كليمِ الله عزَّ وجلَّ - بالمرأة العاقر، عندما لم تيْأَس من الدَّعوة بأن تُرْزَق بمولود؛ أي: إن الإنسان لا ييأس من الدُّعاء؟
وهل هناك أي تقْصير في بر الوالدَين لو أنَّه أعاد التَّكرار لأهلِه بأَمْرِ الزَّواج منِّي بعد التَّفاهُم والرَّفض؟
وهناك أمرٌ آخر، والدي -هداه الله- على نَوعٍ من أنْواع المعصية، ولا يَسْكُن معنا بنفس البيت، فهل هذا سبب أن يرفُض أهله ارتباطَه بي؟ علمًا بأنِّي من عائلة مُحترمة، ووالِدتي وعمَّاتي وأعمامي وأخْوالي على قدْرٍ كبير من الدِّين والأخلاق.
متمنِّيةً منك الدُّعاء بالبركة والثَّبات على الطَّاعة، واليُسْر والبركة بأمرنا كله.
الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فاحْمدي الله أن وفَّقكِ للتَّوبة من المعاصي الَّتي وقعْتِ فيها، ونبشِّرُك بما وعدَ الله به عبادَه التَّائبين؛ قال تَعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70]، وقال أيضًا: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110].
فالتَّوبة تَجُبُّ ما قبلها؛ روى ابنُ ماجه عن ابْنِ مسعود رضِي الله عنْه عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: "التَّائب من الذَّنب كمن لا ذنبَ له" (حسَّنه ابن حجر).
واعْلمي أنَّ ما تشعُرين به من ندمٍ على ما حصل منك من الذُّنوب هو توْبة، وليستْ عقابًا من الله؛ لما جاء في مسند أحمد، وسُنن ابن ماجه، عن ابنِ مسْعود -رضي الله عنه- قال: سَمِعْت رسولَ الله صلَّى الله عليْه وسلَّم يقولُ: "النَّدم توبة".
ولمزيدِ فائدةٍ راجِعِي الفتوى: "التوبـة التي يرضاها الله".
أمَّا الشَّابُّ الذي ترغبين في الزَّواج به، فإن كان تاب توبة صادقة، وحَسُنَ خُلُقه، ولديه رغبةٌ في هذا الزَّواج، فأوَّل ما ننصَحُ به: أن يعْرِضَ الأمر على أهلِه، وأن يُحاوِل إقْناعهم بذلك مرارًا، وهذا ليس من العُقوق، وأن يستعينَ بالله، ثمَّ بكلِّ مَن له جاه عندَهُم، فإن وافَقوا، فالحمْد لله، وإن رفَضَ أهلُه، فالواجبُ عليْكِ أن ترْضَي بِقِضاء الله تعالى وقدَرِه، وتَحمديه على ما منَّ عليْك به من نِعَمٍ ظاهِرة وباطنة، ماضية وحاضِرة، وألاَّ تعلِّقي قلبَك بما زُوِي عنْك من أُمُور الدُّنيا الفانية؛ فبذلِك تتمُّ سعادتُك الحقيقيَّة.
روى أحمد في مُسْنَده عن سعد بن أبي وقَّاص، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليْه وسلَّم قال: "عجِبْتُ لِلمسلم؛ إذا أصابَه خيرٌ حمِد الله وشَكَر، وإذا أصابتْه مصيبةٌ احتسب وصبر، المؤمِنُ يؤْجَر في كلِّ شيءٍ، حتَّى اللقمة يرفَعُها إلى فيه".
ولا يَعْنِي هذا ترْكَ الدُّعاء وترْكَ العمل بالأسباب؛ فإنَّ الله -عزَّ وجلَّ- قدَّر المقادير بأسبابِها، وعلِم -سبحانه- مَن يأخُذ بالسَّبب ومَن لا يأخُذ به، والدُّعاء نفسُه من جُملة الأسباب؛ لذلك فإنَّه لا ينافِي الرِّضا بقضاء الله، فمَن بِيَدِه القضاء هو الَّذي أمر بالدُّعاء، ووعد بالاستِجابة، ووعْدُه حقٌّ وخبرُه صدق.
أمَّا تكْرار صلاةِ الاستخارة، فجائز؛ لأنَّ صلاةَ الاستِخارة وما يتْبَعُها من دعاء، إنَّما شُرِعَت طلبًا للخيرة منه –سبحانه- فإذا لم يَحصل للمُسْتخير انشِراح وطُمَأْنينة فيما اسْتخار اللهَ فيه، كرَّر ذلك حتَّى يَحصل له الانشِراح والطُّمَأْنينة.
واعْلمي أنَّ سببَ ما أنتِ فيه قد يكون مردُّه إلى هذه الذُّنوب الَّتي اقترفتِها، والآنَ وبعْدَ أن منَّ الله عليْكِ بالتَّوبة، فنرجو أن يُيَسِّر الله -تعالى- أمرَك، فالتزمي التوبة وكثرة الطاعة.
ومن لوازِم التَّوبة: قطْعُ الصِّلة بِهذا الشَّابِّ إلى أن يمنَّ الله عليْكِ بالزَّواج منْه، وتقرَّبي إلى الله بطاعتِه، وخذي بالأسْباب المشْروعة لنيْلِ مطلبِك، ومن هذه الأسْباب:
• التَّوجُّه إلى الله بالدُّعاء.
• الاستِقامة على دين الله؛ قال الله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10 - 12]، وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، وقال الله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 - 3]، وقال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4].
• البعد عن المعاصي؛ فإنَّ للمعاصِي أثَرًا بالغًا فيما يُصيب المرْء من نكبات؛ قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، وقد تكون سببًا في منْع الرِّزْق؛ لقوْل النَّبيِّ صلَّى الله عليْه وسلَّم: "إنَّ الرَّجُل ليُحْرَم الرِّزْق بالذَّنب يُصِيبُه" (رواه أحْمد).
أمَّا كوْن والدِكِ يقترِفُ بعضَ المعاصي، فليس هذا مبرِّرًا لعَدَمِ قبولِك، مادُمْتِ تتحلَّين بالدِّين والخلُق، وعلى كلِّ حالٍ، فإنَّ الواجبَ عليْكِ نصح والدكِ برفْقٍ ولين، إلى أن يتوبَ الله عليْه.
واللهَ نسأل أن يبارك لكِ في شأنك كله، وأن يثبتك على الطَّاعة، وييسر أمرك،، آمين.