سجل بيانات أشخاص دون علمهم وكسب بذلك مالا.

كنت أنا من يقوم بالتسجيل ببيانات أشخاص دون علمهم، مع العلم أن جميعهم من النصارى، وبالأخص من فرنسا، ويتم استقطاع ثمن الخدمة منهم.

  • التصنيفات: فقه المعاملات - فتاوى وأحكام -
السؤال:

كنت أعمل في مجال الإعلانات عبر الإنترنت، وكنت آخذ إعلانا من إحدى الشركات لتسويقه، ولكي أحصل على ربحي منه كان يجب على العملاء الذين أوزع عليهم الإعلان أن يسجلوا بحساباتهم، ويتم تحصيل مبلغ منهم مقابل اشتراكهم في الخدمة التي يوفرها الإعلان، ولكن بدلا من ذلك كنت أنا من يقوم بالتسجيل ببيانات أشخاص دون علمهم، مع العلم أن جميعهم من النصارى، وبالأخص من فرنسا، ويتم استقطاع ثمن الخدمة منهم، وفي المقابل أحصل أنا على ربحي من شركة الإعلانات، ولكني ـ الحمد لله ـ تبت عن ذلك، ولم أعد إلى ذلك مرة أخرى، ولكن أريد معرفة حكم المال الذي اكتسبته من ذلك مع العلم أني اشتريت بجزء منه قطعة أرض، وبحاجة إلى جزء المتبقي من المال.

الإجابة:

الحمد لله


أولا:
لا شك في حرمة ما قمت به من التسجيل ببيانات الأشخاص دون علمهم، وما ترتب على ذلك من تغريمهم المال، وأخذك الربح، فقد جمعت بين الجناية على غيرك وإلحاق الضرر به، مع أكلك المال بالباطل، والحمد لله الذي وفقك للتوبة والإقلاع عن هذه الآثام.


ومن دخل بلاد الكفار بأمان- ومنه تأشيرة الدخول- حرم عليه الغدر والخيانة.


قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/237):
" مسألة؛ قال: من دخل إلى أرض العدو بأمان، لم يخنهم في مالهم، ولم يعاملهم بالربا، أما تحريم الربا في دار الحرب، فقد ذكرناه في الربا، مع أن قول الله تعالى: (وحرم الربا)، وسائر الآيات والأخبار الدالة على تحريم الربا: عامة؛ تتناول الربا في كل مكان وزمان.


وأما خيانتهم: فمحرمة؛ لأنهم إنما أعطوه الأمان، مشروطا بتركه خيانتهم.


وأمنه إياهم من نفسه، وإن لم يكن ذلك مذكورا في اللفظ؛ فهو معلوم في المعنى.


ولذلك: من جاءنا منهم بأمان، فخاننا: كان ناقضا لعهده.


فإذا ثبت هذا، لم تحل له خيانتهم؛ لأنه غدر، ولا يصلح في ديننا الغدر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون عند شروطهم).


فإن خانهم، أو سرق منهم، أو اقترض شيئا: وجب عليه رد ما أخذ إلى أربابه.


فإن جاء أربابه إلى دار الإسلام بأمان، أو إيمان: رده عليهم , وإلا بعث به إليهم؛ لأنه أخذه على وجه حرم عليه أخذه، فلزمه رد ما أخذ، كما لو أخذه من مال مسلم " انتهى.


وقال في "الدر المختار" مع حاشية ابن عابدين (4/166): " باب المستأمن، أي الطالب للأمان، هو من يدخل دار غيره بأمان، مسلما كان أو حربيا:


دخل مسلم دار الحرب بأمان: حرُم تعرضه لشيء من دم ومال وفرْج منهم؛ إذ المسلمون عند شروطهم " انتهى.

وإذا كنت أخذت هذه البيانات من أصحابها، لما بينكما من علاقة، فقد ائتمنوك على هذه البيانات، فلا يجوز لك أن تستعملها إلا فيما يأذن به أصحابها، واستعمالك لها بهذه الطريقة التي ذكرتها فيه خيانة لهؤلاء الأشخاص.

 


ثانيا:
الواجب رد الأموال إلى أصحابها، والاجتهاد في ذلك، ولا يلزمك إعلامهم بما جرى، بل يكفي إيصال المال إليهم بأي وسيلة، فإن عجزت عن ذلك، فإنك تتصدق بها عنهم.


وما وضعته في ثمن الأرض يلزمك بدله، وبهذا يحل لك الانتفاع بها؛ لتعلق الحرمة بالذمة، لا بعين المال الحرام.
وذكر في " التاج والإكليل" أن من اشترى شيئا بدراهم أو دنانير مغصوبة، فالعقد صحيح، ويلزمه بدل هذه الدنانير لصاحبها، فقال (5/34، 35): " لأن الدنانير والدراهم لا تتعين، وإذا قام عليه صاحبها اتبعه بها، ولا ينقض البيع.
قال ابن أبي زيد: من قول مالك وأهل المدينة: أن من بيده مال حرام، فاشترى ربه دارا أو ثوبا، من غير أن يُكره على البيع أحدا: فلا بأس أن تشتري أنت تلك الدار أو الثوب من الذي اشتراه بالمال الحرام" انتهى.


ومعنى "أن الدنانير لا تتعين" أن البائع إنما يبيع ملكه بأي دنانير، ولا يعنيه أن يبيعها بهذه الدنانير المعينة التي بأيدي المشتري، ولو طلب البائع من المشتري أن يعطيه دينارا معينا لم يلزمه ذلك، بل له أن يعطيه أي دينار، لأن الدنانير كلها سواء لا فرق بينها.


والله أعلم.