تأليف كتاب عن ظلم الزوجة الثانية وأثره على المجتمع

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا زوجة ثانية، وأعاني مُعاناة لا مثيل لها مِن ظُلمٍ وقَهْرٍ؛ أردتُ أن أكتبَ كتابًا عن قصة حياتي ومُعاناتي مِن هذا الزواج الثاني، وعَواقبه دون أن أذكرَ أسماء أو أماكنَ؛ حتى لا أفضحَ نفسي وأولادي!

أردت أن أكتب هذا الكتاب؛ لكي يعلم الناسُ سلبيات الزواج الثاني، وآثاره السلبية، وتبيين أن الزوجة الثانية ليس دائمًا هي خرابة البيوت؛ مثلما يعتقد أغلبيةُ الناس، ولكن في الغالب ضحيَّة، فهل هذا يتعارض مع الدين؟ مع أني أعتقد وأؤمن أنَّ الله -سبحانه وتعالى- أحل الزواج من أربع، ولكن بشروطٍ، وأن تعددَ الزواج ليس بقاعدة، لكنه حل لمشكلة ما، ليس مثل ما يفعله أغلب الرجال؛ يذهب ويتزوج وينجب أطفالًا، ويترك ضحايا بعده، دون تحمله للمسؤولية.

في انتظار ردكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فأوافقك تمامًا - أيتُها الأختُ الكريمةُ - على ما تطرحينه مِن أن التطبيق السيئ، وغير المنضبط بالشروط والحدود الشرعية مِن أكثر الرجال للزواج الثاني - يتطلَّب مِن المسلمين - على اختلاف مَواقعهم - وقفةً للإصلاح؛ سواءٌ كانتْ بالتحذير؛ لتكون الزوجةُ الثانيةُ وأهلُها على بصيرةٍ، فيحسنوا الاختيارَ، ويحذروا مِن الخديعة؛ فالزواجُ الثاني مباحٌ مِن غير قيْدٍ، ولكن لا بُدَّ أن تَتَوَفَّرَ في الرجل الذي يُريد التعدُّدَ عدة شروط؛ مِنْهَا: القدرةُ البدنيَّة، والماليَّة، وأَلا يَخَافَ على نَفْسِه مِنَ المَيْلِ، وعَدْمِ العَدْلِ؛ قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}[النساء: 3]، فإذا آنَسَ الرَّجُلُ مِنْ نَفْسِه القُدْرَةَ البَدَنِيَّةَ والماليَّة، والقُدْرَةَ على العَدْلِ، أُبِيحَ له الزَّوَاجُ والتعدُّد.

فإن لم يكن هناك غرضٌ صحيحٌ غير شهوات الدنيا؛ والتي أكثرها شهوة النساء، فهنا مَكْمَنُ الخطر؛ لأنَّ الزوج إذا شَعَرَ بعدما حقق مأربه أنه سيخسرَ بيته الأول؛ أبناءه، وزوجته، صار يتعللُ بالموازَنة بين المفسَدة، والمصلحة، وغالبًا يضَحِّي بالزوجة الثانية، ولا يعلم مِقدار الضرر العام والخاص الذي يُسببه، فإذا كان ما تنوين كتابته في هذا الإطار مِن النصح، فلا بأس، ولكن مع التنبيه في بابٍ أو فصلٍ على الحكمةِ التامَّةِ، والمصالح الظاهرة، في مَشروعيته، وكمال الشريعة الباهرة في إباحته، لمن تأمَّل ذلك، وَسَلِمَ من الهوى؛ ومن هذا: أنه - سبحانه - أحلَّ تعدُّد الزوجات، ورخَّص فيه؛ لمواجَهة ضرورات الفطرة الإنسانية، وواقعيات الحياة؛ حماية للمجتمع مِن الانحراف، تحت ضغط الضرورات الفطرية والواقعية، لبعض الرجال والنساء التي يتعذر عليها الزواج كزوجة أولى، وقيد الله تلك الرخصة بما يحمي الحياةَ الأسرية مِن الفَوْضى والظلم، ويحمي كرامة الزوجة، ولم يترك ذلك لنَزَقِ الزوج وهواه؛ فقال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}[النساء: 3]، وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن كانَ له امرأتانِ يميلُ لإحداهما على الأخرى، جاء يومَ القيامةِ أحدُ شِقَّيْهِ مائلٌ» ؛ (رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي).

والنظامُ الإسلاميُّ لما كان يُواجه كل واقعيات الحياة، أباح التعدُّدَ؛ لا لذاته بدافع التلذذ الحيوانيِّ، والتنقل بين الزوجات كما يتنقل بين الخليلات، إنما جعله حَلًّا لما يُواجه مِن مشكلاتٍ وضروراتٍ.

ولكن نحن نتكلم عن واقعٍ ملموسٍ، فيه رجالٌ على صفاتٍ خاصةٍ مِن رِقَّة الدين، وتطبيق سيئ لبعض الأزواج الجَهَلة، وجنوحهم للظلم، وانحرافهم في استخدام هذه الرخصة، فأحالوا الحياةَ الزوجية مَسْرحًا للذة الحيوانية، وليس ذلك شأن الإسلام، بل إن هؤلاء انحدروا لهذا الدرك؛ لبُعدهم عن الإسلام، وجَهْلِهم بروح الشريعةِ الكريمة، وزوجاتٌّ تصرُّ بكل حماقةٍ على هدمِ البيتِ، وضياعِ الأبناءِ، وهذا يوجب أن نتعقَّلَ ونتروَّى؛ حِفاظًا على الأُسَر مِن الضياع.

ونحن - المسلمين - ندرك تمامًا أنَّ ما شرعه الله مِن تعدُّدٍ، لا ضررَ فيه ألبتةَ، كيف وهو - سبحانه - لا يريد بعباده العسرَ، بل يريد بهم اليسرَ؟! وَمَا جَعَلَ عَلَينا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج، والمصالح العائدة على العباد تفُوق ما يُصيب الزوجة الأولى مِن مشقَّة، ونَصَبٍ محتمل، لو عَقَلَتْ.

قال أديب الإسلام الأستاذ سيد قطب في "ظلاله"، وهو يتكلم على مظاهر الحكمة العلوية في سن رخصة التعدد، وتدليله على أن التشريع الإلهي، يتوافق - دائمًا - مع واقع الفطرة البشرية - قال:

"ومن الحالات الواقعية - المرتبطة بالحقيقة السالفة - ما نراه أحيانًا؛ من رغبة الزوج في أداء الوظيفة الفطرية مع رغبة الزوجة عنها - لعائق من السن أو من المرض - مع رغبة الزوجين كليهما في استدامة العشرة الزوجية، وكراهية الانفصال - فكيف نواجه مثل هذه الحالات؟!

نواجهها بهز الكتفين، وترْك كلٍّ مِن الزوجين يخبط رأسه في الجدار؟! أو نواجهها بالحذلقة الفارغة، والتظرف السخيف؟!

إن هزَّ الكتفين - كما قلنا - لا يحلُّ مشكلة، والحذلقة والتظرف لا يتفقان مع جدية الحياة الإنسانية ومشكلاتها الحقيقية، وعندئذٍ نجد أنفسنا - مرةً أخرى - أمام احتمال من ثلاثة احتمالات:

1- أن نكبت الرجل، ونصدَّه عن مُزاولة نشاطه الفطري بقوة التشريع، وقوة السلطان! ونقول له: عيبٌ يا رجلُ، إن هذا لا يليق، ولا يتفق مع حق المرأة التي عندك، ولا مع كرامتها! 

2- أن نطلق هذا الرجل يخادن، ويسافح من يشاء من النساء!

3- أن نبيح لهذا الرجل التعدد - وفق ضرورات الحال - ونتوقى طلاق الزوجة الأولى.

الاحتمال الأول ضد الفطرة، وفوق الطاقة، وضد احتمال الرجلِ العصبيِّ، والنفسيِّ، وثمرته القريبة - إذا نحن أكرهناه بحكم التشريع وقوة السلطان - هي كراهية الحياة الزوجية التي تكلِّفُه هذا العنت، ومعاناة جحيم هذه الحياة، وهذه ما يكرهه الإسلام الذي يجعل من البيت سكنًا، ومِن الزوجة أنسًا ولباسًا. 

والاحتمال الثاني ضد اتجاه الإسلام الخُلُقيِّ، وضد منهجه في ترقية الحياة البشرية، ورفعها، وتطهيرها، وتزكيتها؛ كي تصبح لائقةً بالإنسان الذي كرمه الله على الحيوان! 

والاحتمال الثالث هو وحدَه الذي يلبِّي ضرورات الفطرة الواقعية، ويلبِّي منهج الإسلام الخلقي، ويحتفظ للزوجة الأولى برعاية الزوجية، ويحقِّق رغبة الزوجين في الإبقاء على عشرتهما، وعلى ذكرياتهما، ويُيَسِّر على الإنسان الخطوَ الصاعدَ، في رفقٍ، ويسرٍ، وواقعيةٍ".

وفق الله الجميع لكل خير.