كيف أتقرب من شابٍّ أحبه؟

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: العلاقة بين الجنسين - استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تعرَّفتُ إلى شخصٍ خلال الفترة الماضية، وحاولتُ أن أتعاملَ معه وأتقرَّب إليه، وأفهم أفكاره، وكثيرًا ما أُرسِل له محاضرات دينيةً، ومَواضيعَ هادفة، علمًا بأنني أتعامَل معه مثلما أتعامل مع جميع الأشخاص مِن حولي، أضحك معه، وإذا كان مُتضايقًا مِن أمرٍ ما أحاول التخفيفَ عنه.

ولكن كثيرًا ما أُعاني منه؛ فهو شخصٌ قليل الكلام؛ أي: إنه لا يبادر بالحديث، دائمًا ما أبادرُ أنا بذلك، كثيرًا ما أحاول جاهدةً التقرُّب إليه بشتى الطرق، ولكن كلما أسأله عنْ شيءٍ لا يرد عليَّ، لا أعرف لماذا؟!

أُحاوِل أن تكونَ الأسئلة عادية؛ أي: كأي أسئلة تعارُفٍ بين شخصين؛ ما يُفضِّله؟ وما يكرهه؟ ... إلخ، وكلما أخبرته بأمرٍ يخصُّني، أو أي معلومة أخرى، لا يهتم!

وبين الحين والآخر كثيرًا ما ينشغل عني، وعندما أسألُه عن سبب انشغاله، أو ماذا يفعل؟ أو إذا سألتُه عن شيءٍ يخصُّه يجيب بطريقةٍ عصبية: هذا ليس من شأنِكِ، ولا يعنيكِ البتة، مع أنه أحيانًا يُجِيب عن سبب انشغاله، أو أي سؤال أسأله له، ولكن هذا قد يكون بنسبة 1%.

تعبتُ مِن إيجادِ طريقةٍ للتقرُّب منه، والتعامل معه، الرجاء منكم مساعدتي وإرشادي؛ فهو كثيرًا ما يُضايقني بهذه التصرفات.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد:
فإنَّ إقامة الصداقات بين الشباب مِن الجنسينِ مِن أعظم المنكراتِ التي وقع فيها الكثيرون؛ مع أنَّ حرمتَها ثابتةٌ بالعقل الضروري قبل ثبوتِها بالشرع؛ فالفطرة التي لم تتبدَّل تُدرِك هذا؛ كما في الصحيحين، عن أبي هريرة، أنه كان يقول: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما مِن مولودٍ إلا يُولَد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه، أو ينصِّرانه، أو يمجِّسانه، كما تُنتَج البهيمةُ بهيمةً جمعاءَ، هل تحسُّون فيها من جدعاء؟ حتى تكونوا أنتم تجدعونها»، ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: "{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا...} الآية" [الروم: 30].

يبيِّن هذا حديثُ عِيَاض بن حمار، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربِّه: «وإني خلقتُ عبادي حنفاءَ كلَّهم، وإنهم أتتْهم الشياطين فاجتالتْهم عن دينِهم، وحرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتْهم أن يُشرِكُوا بي ما لم أنزل به سلطانًا».

فالفطرةُ التي فطر الناس عليها، هي فطرة الإسلام، وهي الفطرة التي فطرهم عليها يوم قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}[الأعراف: 172، 173]؛ وهي السلامة من الاعتقادات والأعمال الباطلة، والقبول للعقائد والأعمال الصحيحة، وحقيقة الإسلام هي الاستسلام لله؛ لا لغيره، وهو معنى "لا إله إلا الله".

والظاهر أن بهرجة العصر قد أسهمتْ - وبشكلٍ كبير - في تحوُّل الفطر وتبدُّلها؛ فسلامةُ القلب من النقص شبَّهه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة السابق بسلامةِ البدن، وأن العيبَ الطارئ على الفطرة المتمثِّل في السلوكيات الخاطئة ليس أصيلًا فيها، وأنَّ الإنسان عندما يذكر ويتأمَّل؛ يعود إلى فطرته إن لم يُكابرْ؛ فالشريعةُ جاءتْ بما يوافق فِطَرنا، بخلاف ما عليه المُجتَرِئون؛ فإنهم غيَّروا الفطرة في العلم والإرادة، فخالفوا بذلك العقل والنقل.

أطلبُ منكِ إعادةَ قراءة ما كتبتِه بشيءٍ مِن التأمُّل والرويَّة، مع التجرُّد من الهوى: "أتعامل معه.. أضحك معه، وإذا كان متضايقًا مِن أمر ما أحاول التخفيف عنه.. ولكن كثيرًا ما أعاني منه.. يجيب عليَّ بطريقة عصبية.. هذا ليس من شأنِكِ، ولا يعنيكِ البتة.. مع أنه أحيانًا يُجِيب عن سبب انشغاله، أو أي سؤال أسأله له، ولكن هذا قد يكون بنسبة 1%، عندما أتحدث معه.. تعبتُ من إيجادِ طريقةٍ للتقرب منه، والتعامل معه".

لعلَّكِ أدركتِ - بعد التدبُّر - مدى الابتذال الذي حَرَص الشرعُ الحنيفُ أن يصون عَلاقات الأفراد عنه، وأن يحدَّها بضوابط تُلَائِم النفس البشرية، وتسدُّ عليها أبواب الحرام، وتجعلها تسمو فوق الشُّبُهات، وتحقِّق العفة، وإن كنتِ لا تعرفين أن الكلام بين الجنسين وإنشاء عَلاقات على وَفْق ما تريدين؛ هي بدايةُ الوقوع في الحرام، وإن زيَّنه الشيطان في أول الأمر، وأخرجَه في صورة عَلاقات وصداقات بريئة! والشيطان يغرُّكِ بأنكِ قويَّةٌ لا تتأثرين، ولكن ما يلبثُ أن يُسقِط فريستَه في شِبَاك الغواية، ويسير بها في طريق الضلالة، والواقع خيرُ شاهدٍ على ما أقوله لكِ!

والشارعُ الحكيمُ قد أمرنا بآدابٍ راقية يجب اتباعُها في تعامل كلٍّ من الجنسين مع الآخر؛ فقال تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}[الأحزاب: 32]؛ فنهى الله عن مجرَّد نبرة الصوت الليِّنة الضعيفة عند مخاطبة الرجال، وألا تَلِين لهم القول؛ فللوسائل أحكام المقاصد.

قال الأستاذ سيد قطب - في "الظلال" -: "وإنَّ القلوب المريضة التي تثار وتطمع موجودةٌ في كل عهد، وفي كل بيئة، وتجاه كل امرأة، ولو كانتْ هي زوجَ النبيِّ الكريم وأمَّ المؤمنين، وأنه لا طهارة من الدنس، ولا تخلص من الرجس؛ حتى تمتنع الأسباب المثيرة من الأساس.

فكيف بهذا المجتمعِ الذي نعيش اليوم فيه في عصرِنا المريض الدنس الهابط، الذي تهيج فيه الفتن، وتثور فيه الشهوات، وترفُّ فيه الأطماع؟! كيف بنا في هذا الجو الذي كل شيء فيه يثير الفتنة، ويهيج الشهوة، وينبه الغريزة، ويوقظ السعار الجنسي المحموم؟! كيف بنا في هذا المجتمع، في هذا العصر، في هذا الجو، ونساءٌ يتخنَّثن في نبراتهن، ويتميَّعن في أصواتهن، ويجمعنَ كلَّ فتنة الأنثى، وكل هتاف الجنس، وكل سعار الشهوة، ثم يُطلِقْنَه في نبرات ونغمات؟! وأين هن من الطهارة؟! وكيف يمكن أن يرف الطهر في هذا الجو الملوَّث، وهن بذواتِهن وحركاتِهن وأصواتِهن ذلك الرجس الذي يريد الله أن يُذهِبه عن عبادِه المختارين؟". اهـ.

ولذا؛ أمر الشارع الحكيم بغضِّ البصر؛ فقال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}[النور: 30].

وتدبَّري - رعاك الله - قولَه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[النور: 21]؛ ولا تُنكِري من نفسِكِ أن الفتاة سريعةُ التأثُّر بالشبابِ، لا سيما إذا كانتْ هي مَن تَعرِض صداقتَها، وهو مُعرِض عنها؛ فاحذري - أيتها الابنة - من هذا الطريق المحفوفِ بالندامة، والأصل في الفتن أن تُجتَنَب؛ لأن مَن جاورها فُتِن؛ كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – «ستكونُ فتنٌ؛ القاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ فيها خير من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي؛ مَن تشرَّف لها تستشرفْه، ومَن وجد فيها ملجأً، فليَعُذْ به» (متفق عليه من حديث أبي هريرة).

فالأفضلُ لكِ أن تبحثي عن طريقةٍ تتخلصي بها من تلك الصداقات، بدلًا من البحث عن وسيلة للتعامل مع الرجال.

وراجعي على موقعنا استشارة: الاختلاط وتعليم الفتيات