العمل في مصنع للملابس المكشوفة

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه المعاملات - فتاوى وأحكام -
السؤال:

أعمل بمجال تصنيع الأزياء من ملابس ساترة وملابس كاشفة فهل هذه المهنة حرام؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فيجوزُ للمرْأة العملُ إذا أمِنَتِ الفِتْنة، والتزمتْ بالضَّوابِط الشرعيَّة في خروج المرأة، وكان العملُ مباحًا؛ ويراجع فتوى اللجنة الدائمة: "ضوابط عمل المرأة خارج بيتها".

أمَّا العملُ في مَجال تصْنيع الملابِس النِّسائيَّة -كما يظهر من السُّؤال- ففيه تفصيل:
فإذا كانتِ الملابس المصنعة ساترةً للعورة، وليس فيها تشبُّه بلِباس الكافِرات أو الفاجِرات فيجوزُ العمل فيه، وأمَّا إن كانت الملابس المصنَّعة مكشوفةً، أو تُبْرِز العورة؛ كالتي ترتديها النِّساءُ المتبرِّجات وتُظْهِر الزِّينة - فلا يَجوز ذلك بِحال؛ لدخوله تَحت قوْل الله تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2]، ولأنه وسيلة إلى الحرام، وذريعة إلى ما لا يحلُّ، ووسائلُ الحرام حرام، ومن المقرَّر: أن الوسائل لها أحكام المقاصد، وأن كلَّ ما يُوَصِّل إلى الحرام يكون مثلَه.

قال الشوكاني في "السيل الجرَّار": "فكلُّ ما كان يَتَعَلَّق به منفعةٌ يُحِلُّها الشرع، فبيعُه جائز، وكل ما كان لا منفعةَ له أصلاً، أو كانت تلك المنفعة غيرَ جائزة -فبيعه غيرُ جائز؛ لأن الوسيلة إلى الحرام حرامٌ، ولكن لا بد أن يكون النفعُ في ذلك الشيء لا يكون في حرام على كل حال، أما لو كان مما يمكن أن يكون نفعُه حلالاً في حالة، وحرامًا في حالة، أو مما يستعمله هذا في حرام، وهذا في حلال- فإن عَلِم البائع أن ذلك المشتري لا يستعمله إلا في حرام، لم يحلَّ بيعُه، وإن علم أنه يستعمله في حلال، حلَّ بيعُه".

وقال: "فالحاصلُ: أنه إذا كان الغالبُ في الانتفاع بالمبيع هو المنفعةَ المحرمة، فلا يجوز بيعُه، وكانت هذه الغلبة تُوجِب حصول الظن للبائع: بأن المشتري ما أراد بشرائه لتلك العين؛ إلا تلك المنفعة المحرمة، وأما إذا لم تكن ثمَّ غلبةٌ، فالأمر كما قدَّمنا، ومن هذا: بيعُ العنب والتمر إلى مَن يَغْلب على الظن أنه يَتَّخذه خمرًا، وبيعُ آلات الملاهي إلى من يَلْهو بها، فإن ذلك غيرُ جائز؛ لأن تلك المنفعة حرام، وكل حرام يَحْرم بيعُه، والمنفعة هى المقصودة، لا مجرَّدُ العَيْن، من غير نظر إلى وجهٍ من وجوه الانتفاع بها".

وعليه؛ فالواجبُ عليْك: الاقتِصارُ على تَصنيع ما يُباح من الثياب، وإن كان ذلك ليْس باستِطاعتك، وجَبَ عليْك تركُ العمل فورًا، والبحثُ عن عملٍ آخَر -إن كنتِ في حاجة إليه- ليس فيه مباشرةٌ للحرام، أو إعانة عليْه؛ ولا تنسَي قول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطَّلاق: 2، 3].

وقول النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "إنَّك لن تدَع شيئًا لله -عزَّ وجلَّ- إلا أبدلك بهِ ما هو خيرٌ لك منْه"؛ رواه أحمدُ.

ويستثنى من هذا الحكم إن كانت تلك الملابس الكاشفة مما تستعمله المرأة أمام زوجها لتتزين له، فإن هذا مباح، وما عداه فلا يجوز كما قدمنا، والله أعلم.