الفارق بين تارك الصلاة، وبين من يصلي دون وعي لما يقول!
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: فقه الصلاة - فتاوى وأحكام -
ما الفرق بين الذي لا يصلي إطلاقًا والذي يصلي دائمًا دون وعي لما يقول، وهو سرحان طول الصلاة غير متدبِّر لما يقول؟ هل كلاهُما واحد أم يوجد اختِلاف؟ أرجو التوضيح، وهل العقاب مختلف في كلتا الحالتيْن؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالفارق بين تارك الصلاة عمْدًا والذي يصلِّي بغير خُشوع، ومن غير تدبُّر؛ هو الفارق بين الكُفْر المخْرِج من الملَّة وبين الإيمان، فتارك الصَّلاة كافرٌ في أصحِّ قول العُلماء، إن كان مقرًّا بوجوبها، فإن كان جاحدًا لوجوبها، فهو كافرٌ بالاتِّفاق، وقد سبق تفصيلُ ذلك في فتوى: "حكم تارك الصلاة".
أمَّا الذي يصلِّي وهو غير متدبِّر لما يقول، فهو غير تارك للصَّلاة، ولا تبطل صلاته بذلك؛ لأنَّ الخشوع سُنَّةٌ من سُنن الصَّلاة -على الرَّاجح من أقوال أهل العلم- وقد سبق تفصيل ذلك في الفتويَيْن: "عدم الخشوع في الصلاة"، "الخشوع في الصلاة حكمه وأسبابه".
إذا تبيَّن هذا، وأنَّ تارك الصلاة كافر، فإنَّه يترتَّب عليه أحكام المرتدِّين، وليس في النُّصوص أنَّ تارك الصلاة مؤمن، أو أنَّه يدخل الجنَّة، أو ينجو من النَّار، ونحو ذلك ممَّا يُحوِجنا إلى تأويل الكفْر الذي حُكِم به على تارك الصلاة بأنَّه كفرُ نعمةٍ، أو كفر دون كفر، "ومنها:
أوَّلاً: أنَّه لا يصحُّ أن يزوَّج، فإن عُقِد له وهو لا يصلي، فالنِّكاح باطل، ولا تحلُّ له الزَّوجة به؛ لقوله -تعالى- عن المهاجرات: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}[المُمتَحنَة: 10].
ثانيًا: أنَّه إذا ترك الصَّلاة بعد أن عُقِد له، فإنَّ نكاحه ينفسخ، ولا تحلُّ له الزَّوجة؛ للآية التي ذكرناها سابقًا، على حسب التَّفصيل المعروف عند أهل العلم، بين أن يكون ذلك قبل الدخول أو بعده.
ثالثًا: أنَّ هذا الرجُل الذي لا يصلِّي إذا ذَبَح لا تؤكل ذُبيحتُه، لماذا؟ لأنَّها حرام، ولو ذَبح يهودي أو نصراني، فذبيحتُه يحلُّ لنا أن نأكُلَها، فيكون -والعياذ بالله- ذبحُه أخبثَ من ذبْح اليهود والنَّصارى.
رابعًا: أنَّه لا يحلُّ أن يدخُل مكَّة أو حدود حرمِها؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة: 28].
خامسًا: أنَّه لو مات أحدٌ من أقاربِه، فلا حقَّ له في الميراث، فلو مات رجلٌ عن ابنٍ له لا يُصلِّي -الرجُل مسلم يصلي والابن لا يصلِّي- وعن ابن عمٍّ له بعيد -عاصب- مَن الذي يرثه؟ يرثه ابنُ عمِّه البعيد دون ابنه؛ لقول النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- في حديث أُسامة -رضي الله عنه-: " "؛ متَّفق عليه، ولقولِه -صلَّى الله عليه وسلَّم-: " "، وهذا مثال ينطبق على جَميع الورثة.
سادسًا: أنَّه إذا مات لا يغسَّل، ولا يكفَّن، ولا يصلَّى عليْه، ولا يدفَن مع المسلمين، إذًا ماذا نصنع به؟ نخرج به إلى الصَّحراء، ونحفر له، وندفنُه بثيابِه؛ لأنَّه لا حرمةَ له.
وعلى هذا؛ فلا يحلُّ لأحدٍ مات عنده ميِّت، وهو يعلم أنَّه لا يصلِّي أن يقدِّمه للمسلمين يصلُّون عليه.
سابعًا: أنَّه يُحشَر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبيِّ بن خلف، أئمَّة الكفْر -والعياذ بالله- ولا يدخل الجنَّة، ولا يحلُّ لأحدٍ من أهلِه أن يدعو له بالرَّحمة والمغفِرة؛ لأنَّه كافر لا يستحقُّها؛ لقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[التوبة: 113]؛ من فتاوى الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين.
أما من يصلي دون وعي لما يقول! فالواجب عليه مجاهَدة النفس مجاهدة شديدةً في صرْف الأفكار والوساوس عنه أثناءَ صلاتِه، وشغل نفسه بأسباب الخشوع الواردة في الفتويَيْن المحال عليْهِما -ولا شكَّ أنَّه غير مؤاخَذٍ شرعًا إن شاء الله- بما يهجم عليه من وساوس رغمًا عنه؛ وإن كان مطالبًا بدفعها، وعدم الاسترسال معها؛ لقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}[البقرة: 286]، ولقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن: 16]، وقال النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: " "؛ متفق عليه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- والله أعلم.