حكم استئصال رحم المعاقة عقلياً
حسام الدين عفانه
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
لي بنتٌ معاقةٌ عقلياً،وعندما تأتيها الدورة الشهرية،لا تحسن التعامل معها،مما يُسبب مشكلةً كبيرةً في البيت، فأُشير علينا بأن نقوم بعميلة استئصال لرحمها،فما الحكم الشرعي لذلك؟
أولاً: المطلوب من المسلم أن يصبر ويحتسب على ما يصيبه من البلاء، والله عز وجل يقول: {وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ} [سورة البقرة الآيات 155-157].وقال تعالى: {وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [سورة الأنفال الآية 46].وقال تعالى: {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} [سورة النحل الآية 126].وعن صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه مسلم) .وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « » (رواه مسلم). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « » (رواه الترمذي وابن ماجة، وحسنه العلامة الألباني).
ثانياً: يوجب الشرعُ الرأفةَ والرحمةَ بذوي الاحتياجات الخاصة، وقد دلت النصوص الكثيرة على الرحمة بالضعفاء، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالترفق بالضعفاء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: «الشافعي وأحمد وقواه العلامة الألباني). وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « » (رواه النسائي وأبو داود، وقال العلامة الألباني صحيح كما في الصحيحة). وعن جابر رضي الله عنه قال: « » (رواه أبو داود والحاكم، وصححه العلامة الألباني).
» (رواهثالثاً: يحرم شرعاً السخريةُ والاستهزاءُ بذوي الاحتياجات الخاصة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [سورة الحجرات الآية11]. وينبغي للمسلم إذا رأى مبتلىً أن يحمد الله الذي عافاه مما ابتلى به كثيراً من الناس، فقد ورد عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه الترمذي وابن ماجة وحسنه العلامة الألباني).
رابعاً: يجب أن يُعلم أن الأصل المقرر عند العلماء هو تحريم استئصال الرحم مطلقاً، إلا للضرورة أو المصلحة الراجحة، التي يقررها أهل الاختصاص من الأطباء بعد استشارة الفقهاء.جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي ما يلي: [يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة، وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم، ما لم تدع إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية] مجلة المجمع الفقهي العدد 5 جزء 1 ص 748.
خامساً: القاعدة العامة التي يقررها الشرع، أنه يحرم شرعاً استئصال رحم المعاقة عقلياً، سواءً كان دافع الاستئصال هو المشكلات التي تعاني منها المعاقة وذووها بسبب الدورة الشهرية، أو كان الاستئصال بدافع منع السفلة من استغلال المعاقة عقلياً جنسياً، أو أي سببٍ آخر، لأن في استئصال رحم المعاقة عقلياً، تعدٍ على عضوٍ في جسم الانسان وبتره، وهذا مخالفٌ للشرع، فلا يجوز استئصال أي عضو خلقه الله تعالى في جسم الإنسان إلا في الحالات المرضية التي لا يكون علاجها إلا باستئصال ذلك العضو. ويضاف إلى ذلك أن استئصال رحم المعاقة عقلياً، فيه إهانةٌ لانسانية المعاقة وكرامتها. جاء في فتوى لدائرة الإفتاء الأردنية: [لا يجوز الإقدام على استئصال عضوٍ خلقه الله تعالى في الإنسان إلا في الحالات المرضية التي يكون علاجها بهذه العملية، أما المرض العقلي وعدم السيطرة على التصرف والسلوك، فلا نراه عذراً يجيز مثل هذا النوع من العمليات، لما فيها من تعدٍّ على خلق الله، ومخاطرةٍ صحيةٍ بالقطع والجراحة، ويجب على الوالدين والأولياء مراقبة تصرفات هذه الطفلة وتجنيبها ما يؤذيها. ونوصيكم بالصبر واحتساب الأجر عند الله، لتدخلوا بها الجنة إن شاء الله، كما نوصي بالاستعانة بالمؤسسات الخيرية والاجتماعية المختصة بهذه الشؤون] .aliftaa.jo/index
سادساً: يجوز استئصال رحم المعاقة عقلياً في حالاتٍ خاصةٍ، إذا اقتضت الضرورةُ أو المصلحةُ الراجحة ذلك، ويجب أن تُعرض كل حالةٍ على أهل الاختصاص من الأطباء، ولا بد من استشارة الفقهاء، والتأصيل الفقهي لذلك من خلال القواعد الفقهية التالية: قاعدة “لا ضرر ولا ضرار”وما تفرع عنها من قواعد مثل: ”الضرر يزال”، ”والضرر الأشد يزال بالضرر الأخف” ”والضرر يُدفع بقدر الإمكان “وفي القاعدة الفقهية الأخرى أنه ”إذا تعارضت مفسدتان رُوعيَ أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما”.وبناءً على هذه القواعد الفقهية، إذا قرر الأطباء المختصون استئصال رحم المعاقة عقلياً، لأن في بقاءه ضرراً عليها، أو كان هنالك استغلالٌ جنسيٌ لها، فحينئذ يجوز استئصال رحم المعاقة عقلياً، لما في ذلك من دفعٍ للضرر الواقع أو المتوقع، ودفعٍ للضرر الأشد بالضرر الأخف، ولما في ذلك من دفع مفسدةٍ كبرى بارتكاب مفسدةٍ صغرى. جاء في سؤالٍ وجه لمركز الفتوى على الشبكة الإسلامية: [ما حكم استئصال رحم المرأة الفاقدة الأهلية كالمجنونة مثلاً، وذلك خوفاً عليها من أن يُغرر بها ظالمٌ أو فاسقٌ، فتحمل منه، علماً بأنها لا تملك أدنى مقومات التفكير؟ ورد في الجواب: الحكم بجواز الجراحات الطبية عموماً، مقيدٌ بشروطٍ أشار إليها الفقهاء، وهي مستقاةٌ من أصول الشرع وقواعده، منها أن تكون الجراحةُ مشروعةً، فلا يجوز للمريض أن يطلب فعل الجراحة، ولا للطبيب أن يجيبه إلا بعد أن تكون تلك الجراحة مأذوناً بفعلها شرعاً، لأن الجسد ملكٌ لله، فلا يجوز للإنسان أن يتصرف فيه إلا بإذن المالك الحقيقي.ومنها أن يكون المريضُ محتاجاً إلى الجراحة، بأن يخاف على نفسه الهلاك أو تلف عضوٍ من أعضاء جسده أو دون ذلك كتخفيف الألم، ذكر ذلك الشيخ فهد بن عبد الله الحزمي في كتابه (الوجيز في أحكام الجراحة الطبية) وذكر الدكتور محمد عثمان شبير في كتابه (أحكام جراحة التجميل في الفقه الإسلامي) ضمن القواعد الكلية الضابطة لهذا الموضوع: (1)أن الجراحة تعذيبٌ وإيلامٌ للإنسان الحي، فلا تجوز إلا لحاجةٍ أو ضرورةٍ.(2)أن يتعين على الإنسان إجراءُ العملية الجراحية، بحيث لا توجد وسيلةٌ أخرى تقوم مقام تلك العملية في سد الحاجة أو دفع الضرورة.انتهى.ولا يخفى أن وجود أمثال هؤلاء النسوة محل السؤال لا يخلو منه زمان، وكان السبيل لتجنيبهم أمثال هذه المشكلات هو القيام بحفظهن ورعايتهن ابتداءاً بحيث لا يحصل معهن مثل هذا التغرير، فإن فعل الزنا في حد ذاته إشكاليةٌ لا بدَّ من أخذ الاحتياطات المناسبة لتجنبها، بغض النظر عن حصول ما قد يترتب عليه من الحمل، ومن ناحية أخرى فإن مثل هذه المرأة إذا استؤصل رحمها فقد يجرئ ذلك الفسقةَ الفجرةَ لأمنهم من حصول الحمل.
وخلاصة الأمر أن المطلوب من المسلم أن يصبر ويحتسب على ما يصيبه من البلاء، وأن الشريعة الإسلامية توجبُ الرأفةَ والرحمةَ بذوي الاحتياجات الخاصة، وأنه يحرم شرعاً السخريةُ والاستهزاءُ بذوي الاحتياجات الخاصة، وأن الأصل المقرر شرعاً هو تحريم استئصال الرحم مطلقاً، إلا للضرورة أو المصلحة الراجحة، وأنه يحرم شرعاً استئصال رحم المعاقة عقلياً إلا في حالاتٍ خاصةٍ، إذا اقتضت الضرورةُ أو المصلحةُ الراجحة ذلك، وأنه يجب أن تُعرض كل حالةٍ على أهل الاختصاص من الأطباء، ولا بد من استشارة الفقهاء، ليبتوا في جواز تلك الحالة بناءً على القواعد الشرعية المقررة .والله الهادي إلى سواء السبيل.