الإصابة بالعين

حسام الدين عفانه

  • التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات -
السؤال:

ما قولكم فيما يعلقه بعض الناس على بيوتهم أو سياراتهم لدفع الإصابة بالعين كتعليق الخرزة الزرقاء أو حذوة الحصان أو صورة كف فيها عين ونحو ذلك؟

الإجابة:

ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه قال: "العين حق" (رواه البخاري ومسلم). ومعنى ذلك كما قال الحافظ ابن حجر: [أي أن الإصابة بالعين شيء ثابت وموجود وأكثر أهل العلم على إثبات الإصابة بالعين والمقصود بالإصابة بالعين هو نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر] فتح الباري 12/308. وقال العلامة ابن القيم: [وعقلاء الأمم -على اختلاف مللهم ونحلهم- لا تدفع أمر العين ولا تنكره وإن اختلفوا في سببه ووجهة تأثير العين … ولا ريب أن الله سبحانه وتعالى خلق في الأجسام والأرواح قوىً وطبائع مختلفة وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة ولا يمكن للعاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام فإنه مشاهد ومحسوس …] الطب النبوي ص 290.

ومما يدل على الإصابة بالعين قوله تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} [سورة القلم الآية 51]. قال القرطبي: [يزلقونك بأبصارهم أي يعتانونك بأبصارهم أخبر بشدة عدواتهم النبي صلى الله عليه وسلم وأرادوا أن يصيبوه بالعين …] تفسير القرطبي 18/254. وقال الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [سورة الفلق]. قال ابن القيم: [فكل عائن حاسد وليس كل حاسد عائناً فلما كان الحاسد أعم من العائن كانت الإستعاذة منه استعاذة من العائن] الطب النبوي ص 291. والعلاج من الإصابة بالعين يكون بالطرق الشرعية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأول تلك الطرق أن على المسلم إذا رأى شيئاً يعجبه فعليه التبريك والمراد به الدعاء من العائن للمعين بالبركة عند نظره إليه فذلك بإرادة الله ومشيئته يحول دون إحداث أي ضرر بالمعين ويبطل كل أثر من آثار العين. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة لما أصاب سهل بن حنيف لما رأى بدنه فقال صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله علام يقتل أحدكم أخاه؟ وإذا رأى شيئاً يعجبه فليدع له بالبركة" (رواه مالك في الموطأ وأحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي). وقال الحافظ ابن عبد البر: [وقوله صلى الله عليه وسلم (ألا بركت) يدل على أن من أعجبه شيء فقال: تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه ونحو هذا لم يضره إن شاء الله] الاستذكار 27/9. ومما تدفع به إصابة العين أن يقول الإنسان: ما شاء الله لا قوة إلا بالله فقد جاء عن بعض السلف أنه كان إذا رأى شيئاً يعجبه يقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله. وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن رأى أحدكم ما يعجبه في نفسه أو ماله فليبرك عليه فإن العين حق" (رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني)] صحيح الكلم الطيب ص 90.

وثاني طرق العلاج من الإصابة بالعين استعمال الرقية الشرعية فإنها تنفع بإذن الله وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرقية من العين فقد ثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسترقى من العين" (رواه البخاري) وفي حديث آخر عن أم سلمة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة فقال: استرقوا لها فإن بها النظرة" (رواه البخاري). والسفعة هو سواد في الوجه أو لون يخالف لون الوجه وهو محل الإصابة بالعين والنظرة أي الإصابة بالعين.

فمن التعوذات والرقى المأثورة النافعة بإذن الله تعالى في رد الإصابة بالعين الإكثار من قراءة فاتحة الكتاب والمعوذتين وآية الكرسي. ومن التعوذات النبوية: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق). ومنها: (أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامَّة ومن كل عين لامة). ومن ذلك رقية جبريل عليه السلام التي رقى بها النبي صلى الله عليه وسلم ورواها مسلم في صحيحه وهي: (باسم الله أرقيكَ من كل داءٍ يُؤذيكَ من شرِّ كلِ نفس أو عينِ حاسدٍ الله يشفيك باسم الله أرقيك). ومن ذلك أيضاً: (أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون). ومنها: (اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامات من شر ما أنت آخذ بناصيته اللهم أن تكشف المأثم والمغرم اللهم إنه لا يهزم جنُدكَ ولا يُخلف وعدك سبحانك وبحمدك). ومنها: (أعوذ بوجه الله العظيم الذي لا شيء أعظم منه وبكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر وبأسماء الله الحسنى –ما علمت منها وما لم أعلم– من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر كل ذي شر لا أطيق شره ومن شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته إن ربي على صراط مستقيم). ومنها: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا حول ولا قوة إلا بالله. أعلمُ أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً وأحصى كل شيء عدداً. اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم).

وإن شاء قال: (تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو إلهي وإله كل شيء. واعتصمت بربي ورب كل شيء. وتوكلت على الحي الذي لا يموت واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله. حسبي الله ونعم الوكيل. حسبي الرب من العباد. حسبي الخالق من المخلوق. حسبي الرازق من المرزوق. حسبي الله هو حسبي.حسبي الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه. حسبي الله وكفى. سمع الله لمن دعا وليس وراء الله مرمى. حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) الطب النبوي ص 293.

وثالث الطرق الشرعية في معالجة الإصابة بالعين هي: الاغتسال أي أن العائن وهو الذي يصيب بالعين يغتسل ويؤخذ الماء فيصب على المعين وهو المصاب بالعين فيبرأ بإذن الله وقد ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا" (رواه مسلم). وثبت في حديث سهل بن حنيف عندما أصابه عامر بن ربيعة بالعين حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم لعامر:" اغتسل له". فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم يصب ذلك الماء على المعين فيبرأ بإذن الله. ومما ينفع في دفع الإصابة بالعين والاحتراز من ذلك ستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها عنه كما قال العلامة ابن القيم في كتابه الطب النبوي ص 297.

هذه هي الطرق الشرعية في دفع الإصابة بالعين وأما ما ذكره السائل من طرق لدفع الإصابة بالعين كتعليق الخرزة الزرقاء أو تعليق حذوة حصان أو صورة كف وفيها عين وتعليق ذلك على الإنسان أو الحيوان أو السيارة أو البيت فهذا كله ليس له أصل في الشرع ولا يصح التعامل به.