تجديدُ الأحزان ليس من منهج الإسلام
حسام الدين عفانه
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
يقوم بعض الناس يوم العيد باستقبال المعزين في الأموات الذين توفوا خلال العام، وذلك بفتح بيوت العزاء في العيد، فما هو حكم الشرع في ذلك، أفيدونا؟
أولاً: ورد في الحديث عن أنس رضي الله عنه قال: « » (ررواه أبو داود وأبو يعلى والحاكم وصححه، وصححه العلامة الألباني)، وأيام العيد هي أيام فرحٍ وسرورٍ وابتهاجٍ للمسلمين، وعيد الفطر على وجه الخصوص، فيه للصائمين فرحةٌ خاصةٌ، فيفرحون بتوفيق الله تعالى لهم بإكمال العدة واستيفاء الشهر بالصوم {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [سورة يونس الآية 58]. ومن مشاهد الفرح والسرور في العيد في العهد النبوي، ما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: [دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه رسول الله عليه السلام فقال دعهما. فلما غفل غمزتهما فخرجتا. وكان يوم عيدٍ يلعب السودان-الحبشة-بالدرق والحراب، فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم وإما قال: تشتهين تنظرين. فقلت نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده، وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة. حتى إذا مللت قال: حسبك. قلت نعم قال: فاذهبي (رواه البخاري ومسلم). وفي رواية في مسند أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (وهو حديث حسن). قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية التوسعة على العيال في أيام الاعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن من كُلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى. وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين] فتح الباري2/443. وورد عن علي رضي الله عنه قال: [اجمعوا هذه القلوب، والتمسوا لها طرائف الحكمة، فإنها تمل كما تمل الأبدان] وروى ابن عبد البر في جامع بيان العلم بسنده عن ابن شهاب الزهري أنه كان يقول: روحوا القلوب، ساعة وساعة (وإسناده صحيح). وقال الإمام أبو حامدٍ الغزالي: [ترويح النفس وإيناسُها بالمجالسة والنظر والملاعبة إراحة للقلب وتقوية له على العبادة، فإن النفس ملول وهي عن الحق نفور، لأنه على خلاف طبعها، فلو كُلفت المداومة بالإكراه على ما يخالفها جمحت وثابت، وإذا رُوِّحت باللذات في بعض الأوقات قويت ونشطت، وفي الاستئناس بالنساء من الاستراحة ما يزيل الكرب ويروّح القلب، وينبغي أن يكون لنفوس المتقين استراحات بالمباحات] إحياء علوم الدين 2/19.
ثانياً: ليس من منهج الإسلام تجديدُ الأحزان وإثارةُ الأشجان، ولا شك أن فتح بيوت العزاء أيام العيد فيه تجديدٌ لأحزان ذويهم، وفيه تنغيصٌ لفرحة العيد على أولادهم، لذلك كله لا يشرع إحياء ذكرى الأموات لا في العيد ولا في ذكرى الأربعين أو ذكرى مرور سنةٍ أو سنتين أو سنين على وفاته. وليس من منهج الإسلام إقامة حفلات التأبين وإلقاء الخطب والكلمات في مدح الأموات وكل ذلك من البدع والمنكرات. يقول الله سبحانه وتعالى: {أم لَهُمْ شرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [سورة الشورى الآية 21]. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: « » (رواه مسلم). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: « » (رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح). وقال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البخاري ومسلم). وجاء في رواية أخرى أنه صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه مسلم). وإحياء ذكرى الأموات باستقبال المعزين في يوم العيد والإعلان عن ذلك في الصحف ودعوة الأصدقاء والأقارب وتلاوة القرآن واستئجار القراء وتكرار التعازي كل ذلك ليس له سندٌ من الشرع، وما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا علَّمه للصحابة، وما فعلوه ولا نقل عن التابعين. وقد نص الفقهاء على أنه لا يجوز تكرار التعزية لما في ذلك من تجديدٍ وتهييجٍ للأحزان، ويحصل الغرض من التعزية وهو تسلية أقارب المتوفى وتهوين المصيبة عليهم بالتعزية مرة واحدة، قال الإمام الشافعي: [وأكره المآتم وهي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء فإن ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤونة مع ما مضى فيه من الأثر]الأم1/279. وذكر الشيخ ابن عابدين: [لا ينبغي لمن عزى مرةً أن يعزي مرةً أخرى، رواه الحسن عن أبي حنيفة]حاشية ابن عابدين2/262. وقال الإمام النووي: [قال أصحابنا وتكره التعزية بعد الثلاثة، لأن المقصود فيها تسكين قلب المصاب والغالب سكونه بعد الثلاثة، فلا يُجدد له الحزن، هذا هو الصحيح المعروف] المجموع 5/306. وقال ابن مفلح الحنبلي: [ويكره تكرار التعزية، نصَّ عليه، فلا يُعزي عند القبر من عزى قبل ذلك] الفروع2/229.
ثالثاً: إذا كان كلُّ شخصٍ مات له قريب خلال السنة، يريد أن يفتح بيت عزاءٍ في العيد، فإن هذا سيؤدي إلى كثرة بيوت العزاء في يوم العيد، وسيؤدي إلى تحويل بهجة العيد وفرحته إلى حزنٍ وألمٍ وكآبةٍ على الناس عامة. وهذا على خلاف منهج الإسلام في أن أيام العيد، أيام فرحٍ وسرورٍ كما بينته.
رابعاً: استبدال هذه العادة -فتح بيوت العزاء في العيد- بما ينفع الميت من الأعمال الصالحة، فقد اتفق العلماء على أن الميت ينتفع بدعاء غيره له، قال الإمــام النـووي: [أجمع العلـماء على أن الـدعاء لـلأموات ينفعهم ويصل ثوابه إليهم] الأذكار ص140. ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سورة الحشر آية10]. ويدل على ذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: « » (رواه مسلم). وقوله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه أبو داود والترمذي وهو حديثٌ صحيح كم قال العلامة الألباني). وقال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البخاري ومسلم). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه ابن ماجة وابن خزيمة، وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني). ومن الأمور التي اتفق العلماء على أن الميت ينتفع بها ويصل ثوابها له الصدقة عنه، فعن ابن عباس رضي الله عنه أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائبٌ عنها فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها إن تصدقت بشيءٍ عنها؟ قال: نعم، فقال: فإني أشهدك أن حائط المخراف صدقةً عنها (رواه البخاري). وحائط المخراف: بستان نخلٍ وعنبٍ كان لسعد فتصدق به عن أمه. وعن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها -أي ماتـت فجأة- ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجرٌ إن تصدقت عنها ولي أجر؟ قال: نعم فتصدق عنها (رواه البخاري ومسلم). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أبي مات وترك مالاً ولم يوص، فهل يكفر عنه إن تصدقت عنه؟ قال: نعم (رواه مسلم). ومن الأمور التي تصل إلى الميت وينتفع بها الحج والعمرة عنه -حج الفريضة والنافلة ونذر الحج والعمرة- وقد وردت الأحاديث بذلك فمنها: عن ابن عباس قال: أمرت امرأة سنان بن سلمة الجهني أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أمها ماتت ولم تحج أفيجزي أن تحج عنها؟ قال: نعم، لو كان على أمها دين فقضته عنها ألم يجزيء عنها، فلتحج عن أمها (رواه النسائي وقال العلامة الألباني صحيح الإسناد). وعن ابن عباس أن امرأةً نذرت أن تحج فماتت، فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال: أرأيت لو كان على أختك دينٌ أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فاقضوا الله فهو أحق بالوفاء (رواه البخاري).
وخلاصة الأمر أن أيام العيد هي أيام فرحٍ وسرورٍ وابتهاجٍ للمسلمين، وعيد الفطر على وجه الخصوص، فيه للصائمين فرحةٌ خاصةٌ، فيفرحون بتوفيق الله تعالى لهم بإكمال العدة واستيفاء الشهر بالصوم وقد شهد العيدُ في العهد النبوي عدة مشاهد من الفرح والسرور، كغناء الجاريتين ولعب الحبشة في المسجد. وأنه ليس من منهج الإسلام تجديد الأحزان وإثارة الأشجان، ولا شك أن فتح بيوت العزاء أيام العيد فيه تجديد لأحزان ذويهم، وفيه تنغيص لفرحة العيد على أولادهم، لذلك كله لا يشرع فتح بيوت العزاء أيام العيد. وينبغي استبدال هذه العادة -فتح بيوت العزاء في العيد- بما ينفع الميت من الأعمال الصالحة. والله الهادي إلى سواء السبيل.