أنواع التوحيد
حسام الدين عفانه
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
ما قولكم فيمن يقول إن الانسان إذا أقرَّ بأن الله هو الخالق الرازق والمدبر للكون كافٍ لنجاة العبد يوم القيامة، أفيدونا؟
أولاً: قال جمهور أهل السنة والجماعة بأن التوحيد ثلاثة أنواع وهي: توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات. ومن أهل السنة من جعل التوحيد على نوعين، كما قال ابن أبي العز الحنفي شارح العقيدة الطحاوية، وهي العقيدة المرضية عند أهل السنة والجماعة: [ثم التوحيد الذي دعت إليه رسل الله ونزلت به كتبه نوعان: توحيد في الإثبات والمعرفة، وتوحيد في الطلب والقصد.
فالأول: هو إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه، ليس كمثله شيء في ذلك كله، كما أخبر به عن نفسه، وكما أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد أفصح القرآن عن هذا النوع كل الإفصاح، كما في أول -سورة- الحديد وطه وآخر الحشر وأول آلم تنزيل السجدة وأول آل عمران وسورة الإخلاص بكمالها، وغير ذلك.
والثاني: وهو توحيد الطلب والقصد، مثل ما تضمنته سورة قل يا أيها الكافرون، وقل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، وأول سورة تنزيل الكتاب وآخرها، وأول سورة يونس وأوسطها وآخرها، وأول سورة الأعراف وآخرها، وجملة سورة الأنعام. وغالب سور القرآن متضمنةٌ لنوعي التوحيد، بل كل سورة في القرآن] شرح العقيدة الطحاوية ص 10.
ونلاحظ أن شارح الطحاوية قد أدخل توحيد الأسماء والصفات ضمن توحيد الربوبية، وأما الذين أفردوه فإنما أفردوه لأهميته، والمسألة اصطلاحية ولا مشاحة في الاصطلاح.
ثانياً: توحيد الربوبية هو الاعتقاد بتوحيد الله بأفعاله التي لا يشاركها فيها غيره في الوجود، فنعتقد بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت والمدبر لهذا الكون، وغير ذلك من صفات الرب جل وعلا. وأما توحيد الأسماء والصفات فهو توحيد الله تعالى بأسمائه وصفاته، التي أثبتها لنفسه في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، كلفظ الله، والرحمن، والرحيم وغيرها من الأسماء، وكصفة الحياة والسمع والبصر والملك والعلو. وأما توحيد الألوهية فهو إفراد الله تعالى بالعبادة كالصلاة والصوم والزكاة والحج والدعاء والاستغاثة والحلف والنذر والذبح وغير ذلك. وتوحيد الحاكمية وهو الاعتقاد بأن حق التشريع لله وحده داخل في توحيد الربوبية.
ثالثاً: إن أنواع التوحيد متلازمةٌ، فمن أشرك في واحدٍ منها فهو مشركٌ في البقية. فمن أقرَّ بأن الله هو الخالق الرازق، ولم يقر بأن الدعاء يكون لله، فدعا غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، فهو مشرك في توحيد الألوهية، لأنه صرف عبادة الدعاء لغير الله عز وجل.
رابعاً: توحيد الربوبية هو أول أنواع التوحيد، ولذا فإنه لا يصح إيمان أحدٍ ولا يتحقق توحيده إلا إذا وحَّدَ الله جل وعلا في ربوبيته، لكن توحيد الربوبية ليس هو الغاية من بعثة الرسل عليهم السلام، ولا ينجي وحده من عذاب الله ما لم يأت العبد بلازمه وهو توحيد الألوهية، قال الله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} [سورة يوسف الآية106]. قال الطبري: [ {إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} في عبادتهم الأوثان والأصنام، واتخاذهم من دونه أرباباً، وزعمهم أنَّ له ولداً، تعالى الله عما يقولون. . . ثم نقل عن ابن عباس: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} قال: من إيمانهم، إذا قيل لهم: مَن خلق السماء؟ ومن خلق الأرض؟ ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله. وهم مشركون. . . وعن عكرمة قال: تسألهم: مَن خلقهم؟ ومن خلق السماوات والأرض؟ فيقولون: الله. فذلك إيمانهم بالله، وهم يعبدون غيره] تفسير الطبري16/286.
ومن المعلوم بداهةً أن كفار قريش وغيرهم كانوا يقرون بتوحيد الربوبية كما حكى الله عنهم في آيات كثيرة منها: قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [سورة العنكبوت الآية61]. وقال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [سورة العنكبوت الآية63]. وقال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة لقمان الآية 25]. وقال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [سورة الزمر الآية38]. وقال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [سورة الزخرف الآية9]. وقال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [سورة الزخرف الآية87]. وقال تعالى: {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [سورة المؤمنون الآيات86-89].
خامساً: من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، بل هي محل إجماعٍ بين العلماء كافةً، أن من أقرَّ بتوحيد الربوبية، ولم يقر بغيره من أنواع التوحيد، فهو كافرٌ كفراً مطلقاً، ومن لم يكفره فهو مثله بلا ريب. فأهل الكتاب الذين أشركوا مع الله غيره، ولم يؤمنوا برسالة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وكذا الذين أنكروا البعث والنشور وأنكروا اليوم الآخر، لا شك في كفرهم.
وقد قامت الأدلة على كفرهم من القرآن والسنة وانعقد الإجماع على ذلك: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً} [سورة النساء الآيتان150-151]. وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} [سورة آل عمران الآية 70]. وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} [سورة آل عمران الآية 98]. وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [سورة المائدة الآية72]. وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة المائدة الآية73]. وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ. اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سورة التوبة الآيتان30 -]31. وقال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} [سورة آل عمران الآية 19]. وقال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة آل عمران الآية 85].
وثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفس محمدٍ بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار (رواه مسلم).
قال ابن حزم: [واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفاراً] مراتب الإجماع ص119.
وقال القاضي عياض: [ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل أو توقف فيهم أو شك أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك] الشفا في أحوال المصطفى2/610.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [قد ثبت في الكتاب والسنَّة والإجماع أن من بلغته رسالته صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن به فهو كافر، لا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد، لظهور أدلة الرسالة وأعلام النبوة] مجموع الفتاوى12/496.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: [إن اليهود والنصارى كفارٌ كفراً معلوماً بالاضطرار من دين الإسلام] مجموع الفتاوى35/201.
وقال إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب: [اعلم أن من أعظم نواقض الإسلام عشرة: الأول: الشرك في عبادة الله وحده لا شريك له، والدليل قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [سورة النساء الآية 48]. ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو القباب. الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة: كفرَ إجماعاً. الثالث: من لم يُكفِّرْ المشركين أو شكَّ في كفرهم أو صحح مذهبهم، كفَرَ إجْماعاً]
وسئل الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز، ما حكم مَن لم يُكفِّرْ اليهود والنصارى؟ فأجاب: هو مثلهم، مَنْ لم يُكفِّرْ الكفار فهو مثلهم، الإيمان بالله هو تكفير من كفر به، ولهذا جاء في الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من وحَّد الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرَّم ماله ودمه وحسابه على الله ويقول جل وعلا: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } فلا بد من الإيمان بالله، وتوحيده والإخلاص له، والإيمان بإيمان المؤمنين، ولا بد من تكفير الكافرين، الذين بلغتهم الشريعة ولم يؤمنوا، كاليهود والنصارى والمجوس والشيوعيين وغيرهم، ممن يوجد اليوم وقبل اليوم ممن بلغتهم رسالة الله ولم يؤمنوا، فهم من أهل النار كفار] فتاوى الشيخ ابن باز 28/46، 47.
وخلاصة الأمر أن التوحيد ثلاثةُ أنواعٍ وهي: توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وأنها متلازمةٌ، فمن أشرك في واحدٍ منها فهو مشركٌ في البقية، وأن كفار قريش وغيرهم كانوا يقرون بتوحيد الربوبية، ومع ذلك لم يكونوا مسلمين، وأن من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، بل هي محل إجماعٍ بين العلماء كافةً، أن من أقرَّ بتوحيد الربوبية، ولم يقر بغيره من أنواع التوحيد، فهو كافرٌ كفراً مطلقاً، ومن لم يكفره فهو مثلُه بلا ريب. والله الهادي إلى سواء السبيل.