هل لليهود حق في المسجد الأقصى؟
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: اليهودية والنصرانية -
كيف ذَهَب الرسولُ عليه الصلاة والسلام إلى المسجد الأقصى؟ وهل الرسولُ بنى المسجد قبل الذهاب إليه؟ أو أن أحدًا مِن المسلمين بناه قبل مجيء الرسول؟ ومَن أنشأ المسجد الأقصى ليذهب إليه الرسول؛ هل أنشأه سليمان عليه السلام؟ وإذا كان كذلك، فهل بذلك يصبح هذا المكان ملكًا لليهود وليس للمسلمين؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:
فالثابتُ عندنا -نحن المسلمين- أن أول مسجد وُضِع في الأرض المسجدُ الحرام، ثم بُنِي المسجدُ الأقصى بعده بأربعين سنة؛ كما في الحديث الصحيح، فلو كان سليمان -عليه السلام- هو الذي بنى المسجدَ الأقصى، وإبراهيم -عليه السلام- هو الذي بنى المسجد الحرام لاستحال ذلك؛ لأن سليمان وإبراهيم -عليهما السلام- بينهما آمادٌ طويلةٌ، فالصحيحُ أنهما ليسا أول مَن بنى المسجدين، وإنما جددَا بناءهما، وبنيَا على قواعد وأساس مَن سبقهما، وهو آدم -عليه السلام- وقيل: الملائكة، وذكر العلَّامة الطاهر بن عاشور أنَّ الذي بناه هو إبراهيم -عليه السلام- قال في "التحرير والتنوير" (15/ 16 - 17): "والمسجدُ الأقصى هو ثاني مسجدٍ بناه إبراهيم -عليه السلام- كما ورَد ذلك عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ ففي الصحيحين، عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قلتُ: يا رسول الله، أي مسجدٍ وُضِع في الأرض أول؟ قال: « »، قال: قلتُ: ثم أي؟ قال « »، قلت: كم بينهما؟ قال: « »؛ فهذا الخبرُ قد بَيَّن أن المسجد الأقصى مِن بناء إبراهيم؛ لأنه حدد بمدة هي مِن مدة حياة إبراهيم -عليه السلام- وقد قرن ذكره بذِكْر المسجد الحرام.
وهذا مما أهمل أهلُ الكتاب ذِكْره، وهو مما خصَّ الله نبيَّه بمعرفته، والتوراةُ تشْهَد له؛ فقد جاء في "سفر التكوين" في "الإصحاح الثاني عشر": أن إبراهيم لما دخل أرض كنعان -وهي بلاد فلسطين- نصب خيمته في الجبل الشرقي ببيت إيل - بيت إيل مدينةٌ على بُعد أحد عشر ميلًا مِن أورشليم إلى الشمال، وهو بلدٌ كان اسمه عند الفلسطينيين "لوزا"، فسماه يعقوب: بيت إيل، كما في "الإصحاح الثامن والعشرين" من "سفر التكوين" - وغربي بلاد عاي - مدينةٌ عبرانيةٌ تُعرف الآن: الطيبة، وبنى هنالك مذبحًا للرب.
وهم يطلقون المذبح على المسجد؛ لأنهم يذبحون القرابين في مساجدهم؛ قال عمر بن أبي ربيعة:
دميةٌ عند راهبٍ قسيس °°° صوَّرُوها في مَذْبَحِ المحرابِ
أي مكان المذبح مِن المسجد؛ لأنَّ المحراب هو محل التعبُّد؛ قال تعالى: {وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آل عمران: 39].
ولا شك أنَّ مسجد إبراهيم هو المَوْضِع الذي توخَّى داود -عليه السلام- أن يضعَ عليه الخيمة، وأن يبني عليه محرابه، أو أوحى الله إليه بذلك، وهو الذي أوصى ابنه سليمان -عليه السلام- أن يبنيَ عليه المسجد؛ أي: الهيكل، وقد ذكر مُؤَرِّخو العبرانيين ومنهم "يوسيفوس" أن الجبلَ الذي سكنه إبراهيم بأرض كنعان اسمه "نابو"، وأنه هو الجبل الذي ابتنى عليه سليمان الهيكل؛ وهو المسجد الذي به الصخرة، وقصة بناء سليمان إياه مفصلةٌ في سفر الملوك الأول من أسفار التوراة".
فالمسجدُ الأقصى هو قبلة الأنبياء، وقبلة المسلمين الأولى، وثالث المساجد التي لا تُشد الرحال إلا إليها، واليهود ليس لهم حقٌّ في القدس؛ لأن الأرض وإن سكنوها مِن قبلُ فإنها قد صارتْ للمسلمين من وجهين:
- أن اليهود كفروا، ولم يعودوا على دين المؤمنين من بني إسرائيل ممن تابعوا وناصروا موسى وعيسى -عليهما السلام-.
- أننا -نحن المسلمين- أحقُّ بها منهم؛ لأن الأرض ليستْ لمن يعمرها أولًا، ولكن لمن يقيم فيها حُكم الله؛ لأن الله خلَق الأرض، وخلَق الناس؛ ليعبدوا الله عليها، ويقيموا فيها دين الله، وشرعه، وحكمه؛ قال تعالى: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128].
ولذلك لو جاء قومٌ من العرب ليسوا على دين الإسلام، فحكموها بالكفر يُقاتلون حتى يرضخوا فيها لحكم الإسلام، أو يقتلوا. فالقضيةُ ليست قضية شعوبٍ وأعراقٍ، وإنما قضية توحيدٍ وإسلام.
وأيضًا فإنَّ أول مَن سكن فِلَسْطين الكنعانيون قبل الميلاد بستة آلاف سنة، وهم قبيلةٌ عربيةٌ قدمتْ إلى فلسطين من الجزيرة العربية، وسميتْ فِلَسطين بعد قُدومهم إليها باسمهم، واليهودُ كان أول دخولهم فلسطين بعد دخول إبراهيم بما يقارب ستمائة عامٍ؛ أي: إنهم دَخَلوها قبل الميلاد بحوالي ألفٍ وأربعمائة عامٍ، فيكون الكنعانيون قد دخلوا فلسطين وقطنوها قبل أن يدخلها اليهودُ بما يُقارب أربعة آلافٍ وخمسمائة عامٍ؛ كما في كتاب: "الصِّهْيَوْنِيَّةُ، نشأتها، تنظيماتها، أنشطتها"، أحمد العوضي (ص 7، 8).
فيتقرر بهذا أنه لا حق لليهود في أرض فلسطين؛ لا حقًّا شرعيًّا دينيًّا، ولا حقًّا بأقدمية السُّكْنى، وملك الأرض، وأنهم مغتصبون مُعْتَدُون.
ونسأل الله أن يكونَ خَلاصُ بيت المقْدِس منهم عاجلًا غير آجلٍ، إنه على ذلك قديرٌ، وبالإجابة جديرٌ.