قصة الظبية التي تكلمت مع النبي صلى الله عليه وسلم مكذوبة

حسام الدين عفانه

  • التصنيفات: الحديث وعلومه -
السؤال:

إنه سمع خطيب الجمعة يذكر قصة الظبية التي تكلمت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأن الظبية نطقت بالشهادتين فهل هذه القصة ثابتة، أفيدونا؟ 

 

الإجابة:

كثير من الخطباء والمدرسين لا يهتمون بمعرفة درجة الأحاديث التي يذكرونها في خطبهم ودروسهم مع أن ذلك واجب عليهم لأن المصلين يتلقون كلامهم ويسمعونه ومعظم المصلين لا يعرفون شيئاً عن الحكم على الأحاديث وأن هنالك أحاديث باطلة وأخرى مكذوبة وأخرى ضعيفة. إن واجب كل من يتصدى للتدريس أو الخطابة أو الوعظ أو التأليف أن يكون على بينة وبصيرة من الأحاديث التي يذكرها وينسبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم ليس كالكذب على غيره فقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كذب عليَّ عامداً متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» وهو حديث صحيح متواتر رواه البخاري ومسلم. فإن هؤلاء الخطباء والوعاظ وإن لم يتعمدوا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة فقد ارتكبوه تبعاً لنقلهم الأحاديث التي يقفون عليها جميعاً وهم يعلمون أن فيها ما هو ضعيف وما هو مكذوب قطعاً وقد أشار إلى هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثماً أن يحدّث بكل ما سمع» (رواه مسلم). قال ابن حبان في صحيحه: فصل:”ذكر أسباب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو غير عالم بصحته” ثم ساق بسنده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار» (وسنده حسن وأصله في الصحيحين بنحو). ثم ذكر حديث سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حدّث بحديث يُرى -بضم الياء- أنه كذب فهو أحد الكاذبين»  (رواه مسلم). يتبين من هذه الأحاديث أنه لا يجوز نشر الأحاديث وروايتها دون التثبت من صحتها ومن فعل ذلك فهو حسبه من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: «إن كذباً عليّ ليس كالكذب على أحد فمن كذب عليّ عامداً متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» (رواه مسلم).

ولو قلنا بأنه يجوز التساهل في الترغيب والترهيب ولكن لا يجوز أن يصل الأمر إلى ذكر الأحاديث الباطلة والمكذوبة وإنما العلماء تساهلوا بذكر الأحاديث الضعيفة في باب الترغيب والترهيب ولكنهم بينوا أسانيدها. قال الحافظ ابن الصلاح: [ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع - أي المكذوب - من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها فيما سوى صفات الله وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد] علوم الحديث ص 113.

إذا تقرر هذا فنعود إلى حديث الظبية لبيان حاله وقبل ذلك أذكر نصه: عن زيد بن أرقم قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة فمررنا بخباء أعرابي فإذا ظبية مشدودة إلى الخباء فقالت: يا رسول الله إن هذا الأعرابي صادني ولي خشفان -ولدان- في البرية وقد تعقد اللبن في أخلافي – ضرعي – فلا هو يـذبـحني فأستريح ولا يدعني فأرجع إلى خشفي في البرية فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تركتك ترجعين؟ قالت: نعم، وإلا عذبني الله عذاب العشار – قابض العشور أي الضرائب – فأطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تلبث أن جاءت تلمظ فشدها رسول الله إلى الخباء وأقبل الأعرابي ومعه قربة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتبيعها مني؟ فقال الأعرابي: هي لك يا رسول الله. قال: فأطلقها رسول صلى الله عليه وسلم. قال زيد بن أرقم: وأنا والله رأيتها تسيح في البر وهي تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله]. وقد وردت روايات أخر لهذه القصة الطريفة وقد رواها أبو نُعَيم في دلائل النبوة والبيهقي في دلائل النبوة أيضاً.

قال العلامة ملا علي القاري: [حديث تسليم الغزالة اشتهر على الألسنة وفي المدائح النبوية. قال ابن كثير ليس له أصل ومن نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد كذب] المصنوع في معرفة الحديث الموضوع ص 80. وقال الحافظ ابن حجر: [وأما تسليم الغزالة فلم نجد له إسناداً لا من وجه قوي ولا من وجه ضعيف والله أعلم] فتح الباري 7/404. وقد تكلم الحافظ ابن حجر بالتفصيل على هذه القصة وذكر عدة روايات لها في كتابه ” تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب ” فقال:[وأما تسليم الغزالة فمشتهر على الألسنة وفي المدائح النبوية ولم أقف لخصوص السلام على سند وإنما ورد الكلام في الجملة. وبالسند الماضي إلى الـبـيهقي قال: باب كلام الظبية إن صح الخبر].ثم ذكر أن هذه القصة وردت منسوبة إلى عيسى عليه السلام. ثم قال الحافظ ابن حجر: [وقد ورد كلام الظبية من طرق أخرى أشد وهاءً من الأول] انظر تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب 1/245-246. كما أن الحافظ الذهبي ذكره في ميزان الاعتدال وأشار إلى أنه خبر باطل. ميزان الاعتدال 4/456، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن هذا الـحـديـث بـاطـل موضوع في ” لسان الميزان ” 6/311. وقد ضعف هذه القصة بروايتها المختلفة الحافظ ابن كثير أيضاً في تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب ص 186-189. وقال العلامة السخاوي: [حديث تسليم الغزالة الذي اشتهر على الألسنة وفي المدائح النبوية وليس له أصل كما قال ابن كثير ومن نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد كذب] المقاصد الحسنة ص 156. وقال العجلوني مثل كلام السخاوي انظر كشف الخفاء 1/306. وذكر الشيخ عبد الفتاح أبو غده يرحمه الله كلام الحافظ ابن حجر والسخاوي وابن كثير وذكر أن للقصة روايات متعددة. ثم قال الشيخ أبو غدة: [هي أحاديث ضعيفة واهية لا يصح الاعتماد عليها في إثبات ما هو خرق للعادة وإن كانت لتعدد طرقها لا يحكم الحديثي عليها بالوضع فإن إثبات مضمونها لا يقبل ولا يثبت إلا بالحديث الصحيح الرجيح ولدى النظر في أسانيدها يتبين أنها لا تخلو من مطاعن شديدة مردية فلا تغفل. وبالنظر في متونها يتبدّى تعارض شديد فيما بينها وفي الجمع بينها تعسف ظاهر] المصنوع في معرفة الحديث الموضوع ص 80.