حكمُ إقامةِ صلاةِ الاستسقاء بعد صلاة الجمعة
حسام الدين عفانه
- التصنيفات: فقه الصلاة -
إمام المسجد أقام صلاة الاستسقاء بعد صلاة الجمعة، فما هو الحكم الشرعي في ذلك، أفيدونا؟
أولاً: لا شك أن خيرَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرُّ الأمور محدثاتها، وكلُّ بدعةٍ ضلالة، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، والواجب الشرعي على أئمة المساجد أن يتمسكوا بالسنة النبوية ويطبقوها، ويعلموها الناس، وقد صحَّ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « » (متفق عليه)،أي مردودٌ.
وفي رواية أخرى عند مسلم: « » .
وثبت في الحديث الصحيح أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة،وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي).
وقد قرر المحققون من العلماء أن الأصل في العبادات عامةً، والصلاة بشكلٍ خاصٍ، هو التلقي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالأصل فيها التوقيف أو الحظر كما يعبر بعض العلماء، أي أن الأصل أن لا نفعل شيئاً في باب العبادات، ما لم يكن وارداً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويجب علينا أن نلتزم بذلك بلا زيادةٍ ولا نقصانٍ، يقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سورة المائدة الآية3]، فالأصل في المسلم أن يقف عند موارد النصوص، فلا يتجاوزها، لأننا أُمرنا بالإتباع، ونُهينا عن الابتداع، فنحن مأمورون بإتباعه صلى الله عليه وسلم والإقتداء به، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [سورة الأحزاب الآية21].
وقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم كيفية الصلاة وعدد ركعاتها وأوقاتها وكل ما يتعلق بها، وعلَّم الصحابة كيف يصلون وصلى أمامهم، وقال: « » (رواه البخاري).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف،فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى، وإلا دخلنا في معنى قوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [سورة الشورى الآية 21].
ثانياً: كان من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم عند انحباس المطر أن يستسقي للمسلمين، وكان المسلمون يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «
».ثالثاً: صلاةُ الاستسقاء سنةٌ مؤكدةٌ، ثبتت مشروعيتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدة وجوهٍ؛ قال العلامة ابن القيم: [ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه استسقى على وجوهٍ:
أحدها: يوم الجمعة على المنبر في أثناء خطبته، وقال اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا.
الوجه الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم وعد الناس يوماً يخرجون فيه إلى المصلى، فخرج لما طلعت الشمس، متواضعاً متبذلاً متخشعاً مترسلاً متضرعاً، فلما وافى المصلى صعد المنبر -إن صح وإلا ففي القلب منه شيءٌ- فحمد الله وأثنى عليه وكبره، وكان مما حفظ من خطبته ودعائه: « ».
الوجه الثالث: أنه صلى الله عليه وسلم استسقى على منبر المدينة، استسقاءً مجرداً في غير يوم جمعة، ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الاستسقاء صلاةٌ.
الوجه الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم استسقى وهو جالسٌ في المسجد، فرفع يديه ودعا الله عز وجل، فحفظ من دعائه حينئذٍ: «
».الوجه الخامس: أنه صلى الله عليه وسلم استسقى عند أحجار الزيت، قريباً من الزوراء، وهي خارج باب المسجد الذي يثدعى اليوم باب السلام، نحو قذفةِ حجرٍ ينعطف عن يمين الخارج من المسجد.
الوجه السادس: أنه صلى الله عليه وسلم استسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء، فأصاب المسلمين العطش، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعض المنافقين لو كان نبياً لاستسقى لقومه كما استسقى موسى لقومه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أو قد قالوها؟ عسى ربُكُم أن يسقيكم، ثم بسط يديه ودعا، فما ردَّ يديه من دعائه حتى أظلهم السحاب وأُمطروا، فأفعم السيلُ الوادي، فشرب الناس فارتووا] زاد المعاد 1/457-458.
وأكمل وجوه صلاة الاستسقاء هو الثاني، قال الإمام النووي: [أفضلها وهو الاستسقاء بصلاة ركعتين] المجموع 5/64.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [قال القاضي:الاستسقاء ثلاثة أضرب، أكملُها الخروج والصلاة على ما وصفنا، ويليه استسقاء الإمام يوم الجمعة على المنبر... والثالث أن يدعو الله تعالى عقيب صلواتهم وفي خلواتهم] المغني2/327.
رابعاً: إقامةُ صلاة الاستسقاء بعد صلاة الجمعة، على خلاف السنة النبوية، ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، والثابت في السنة النبوية هو أنه إذا استسقى الإمام وقت الجمعة، فيكتفي بالدعاء أثناء خطبة الجمعة، ولا تقام صلاة الاستسقاء بعد صلاة الجمعة،
قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء] ثم روى بعض حديث أنس المذكور سابقاً.
قال الحافظ العسقلاني: [وقد ترجم له المصنف بعد ذلك "من اكتفى بصلاة الجمعة في خطبة الاستسقاء" وترجم له أيضا "الاستسقاء في خطبة الجمعة"فأشار بذلك إلى أنه إن اتفق وقوع ذلك يوم الجمعة، اندرجت خطبةُ الاستسقاء وصلاتها في الجمعة] فتح الباري 2/501.
وقال الحافظ العسقلاني أيضاً: [وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم...وإدخال دعاء الاستسقاء في خطبة الجمعة، والدعاء به على المنبر، ولا تحويلَ فيه، ولا استقبال، والاجتزاء بصلاة الجمعة عن صلاة الاستسقاء] فتح الباري2/506-507.
وقال صاحب عون المعبود: [فيه دليلٌ على أنه إذا اتفق وقوع الاستسقاء يوم جمعة اندرجت خطبةُ الاستسقاء وصلاتُها في الجمعة، وقد بوب لذلك البخاري] عون المعبود 4/27.
وورد في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: [يكفي أن يستسقي الخطيبُ في خطبة الجمعة، ولا يصلي صلاة الاستسقاء بعدها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى في خطبة الجمعة، ولم يصلِّ للاستسقاء بعدها، بل اكتفى بصلاة الجمعة، وكذا الحكم في صلاة العيد يكفي أن يستسقي في الخطبة، ولا يشرع له صلاة الاستسقاء لا قبلها ولا بعدها؛ لأن ذلك مخالفٌ لهدي النبي صلى الله عليه وسلم].
ويضاف أنه إذا اعتاد الناس أن يصلوا صلاة الاستسقاء في المساجد فيخشى أن ينسوا سنة صلاة الاستسقاء وهي المتمثلة بالخروج، قال الحافظ ابن عبد البر: [وأجمع العلماء على أن الخروج إلى الاستسقاء، والبروز، والاجتماع إلى الله عز وجل خارج المصر بالدعاء، والضراعة إلى الله تبارك اسمهُ في نزول الغيث عند احتباس ماء السماء، وتمادي القحط، سنةٌ مسنونةٌ، سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا خلاف بين علماء المسلمين في ذلك] التمهيد17/172.
وخلاصة الأمر أن خيرَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرُّ الأمور محدثاتها، وأن الواجب الشرعي على أئمة المساجد أن يتمسكوا بالسنة النبوية ويطبقوها ويعلموها الناس، وأنه كان من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم عند انحباس المطر أن يستسقي للمسلمين، وكان المسلمون يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم، وأن صلاة الاستسقاء سنةٌ مؤكدةٌ ثبتت مشروعيتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدة وجوهٍ، أكملها الخروجُ إلى المصلى عندما تطلع الشمس، فيخطب الإمامُ ثم يصلي بهم ركعتين، وأن إقامة صلاة الاستسقاء بعد صلاة الجمعة، على خلاف السنة النبوية، ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم،
والثابت في السنة النبوية هو أنه إذا استسقى الإمام وقت الجمعة فيكتفي بالدعاء أثناء خطبة الجمعة، ولا تقام صلاة الاستسقاء بعد صلاة الجمعة. والخيرُ كل الخير في الاتباع، والشرُّ كل الشر في الابتداع.
والله الهادي إلى سواء السبيل.