رفع السبابة في الذكر بعد الوضوء بدعة
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات -
هل من السنة رفع أصبع (السبابة) في التشهد بعد الوضوء؟ إذا قام الإنسان بهذا الفعل بحيث أنه يقصد به وحدانية الله وأنه هو الأعلى هل أتى هنا ببدعة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ الإشارةَ بالإِصْبَع السبَّابة حالَ التشهُّد بعد الوُضوء لم تثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم – وكذلك لم تُنْقَل عن أحدٍ من السلف فيما نعلم؛ فقد نقل كبارُ الصحابة كعثمانَ وعليٍّ وغيرِهم صفةَ وُضوءِ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كما نقلوا ذِكْرَ التَّشهُّد بعده ولم يذكر أحد منهم رفع الإصبع، ولو فعله - صلى الله عليه وسلم – لنُقِلَ إلينا؛ لتَوَافُرِ الهِمَم على نقله مع كثرة وُضوئه أمام أصحابه في السفر والحضر.
أمَّا المواضع التي ثبتتْ فيها الإشارةُ بالإصبَع ففي ثلاث مواضع:
- حالَ التشهُّد في الصلاة؛ فروى مسلمٌ عنِ ابن عُمر: "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قَعَدَ في التَّشهُّد وضع يده اليسرى على ركبتِه اليُسرى ووضع يدَهُ اليُمنى على ركبته اليمنى، وعَقَد ثلاثةً وخَمْسين وأشار بالسبَّابة".
- وعند دُعاءِ الخَطِيب على المِنْبَر يوم الجمعة؛ فقد روى مسلم من حديث عمارة بن رُوَيْبة: "أنه رأى بِشْرَ بْنَ مروان يرفع يديه, فأنكر ذلك وقال: قَبَّحَ اللَّهُ هاتَيْنِ اليَدَيْنِ؛ لقد رأيتُ رَسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلم - ما يَزِيدُ على أن يقول بيده هكذا؛ وأشار بإصبعه المُسَبِّحَة".
- وعِنْدَ مطلق الدعاء؛ كما روى أبو داود وغيرُه، عن سعد بن أبي وقاص قال: "مرَّ عليَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأنا أدعو بإصبعي فقال: « »، وأشار بالسبابة".
ومِمَّا سبَقَ يَتَبَيَّنُ أنَّ الإشارةَ بالإِصْبَع بعد الوضوء ليسَ لَها أصْلٌ في السنة، ومن المُقَرَّرِ أنَّ العبادات مَبناها على التَّوْقيف؛ فالواجبُ تَرْكُ ذلك، إلاَّ في المواضع السَّابق ذِكْرُها.
هذا؛ ولْيُعلمْ أنَّ فِعْلَ العِبادةِ المَشروعة في موضعٍ لا يُجيز فِعلَها في موضعٍ آخَرَ لم يَثْبُتْ عن النبي - صلى الله عليه وسلَّم - أنَّهُ فَعَلَها فيه، أَوْ بِصِفةٍ لَم تَرِدْ في السنة، فكلُّ عِبادة لم تَثْبُت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فَهِيَ بِدْعَة مردودةٌ على صاحبها؛ لأنَّ فيها مضاهاةَ غيرِ المسنون بالمسنون، كما نصَّ عليه أهلُ العلم، ولقولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: « »؛ رواه مسلم عن عائشة.
وهذا ما فهِمَهُ الصَّحابةُ الكِرَامُ وقرَّرهُ الأئِمَّةُ؛ ومِن ثَمَّ أجْمَعُوا على عَدَمِ مَشروعيَّة القِياسِ في العبادة؛ فمثلاً مشروعيَّة التَّثويب لصلاة الفجر لا تعنِي مشروعيَّتَهُ في غَيْرِه من الصلوات، ويكونُ المؤذِّنُ مبتدعًا لو فعله في غيره، كما روى أبو داود وغيرُه عن مجاهدٍ، قال: "دخل ابْنُ عُمَر مسجدًا يُصَلِّي فيه، فسمِعَ رجُلاً يثوِّبُ في أذان الظهر فخَرَجَ وقال: "أخرجتني البدعة".
وما أحسن ما رَوَى الهرويُّ وغيرُه عنِ ابن عيينة أنَّه قال: "سَمعتُ مالكَ بْنَ أَنَسٍ؛ وأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله، من أين أُحْرِم؟ قال: من ذي الحُلَيْفة، من حيثُ أحرم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنِّي أُريد أن أُحرِم من المسجد، من عِنْد القبر، قال: لا تفعل؛ فإنِّي أَخْشى عليكَ الفِتنة، فقال: وأيُّ فتنةٍ في هذه؟ إنَّما هي أميال أَزيدُها! قال: وأيُّ فتنةٍ أعظم من أن تَرَى أنَّك سبقتَ إلى فضيلة قصرَ عنها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟! إنِّي سَمِعْتُ الله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].
والله أعلم.