تعجيل الزكاة

حسام الدين عفانه

  • التصنيفات: فقه الزكاة -
السؤال:

من له قريب فقير وبحاجة ماسة إلى المال، وقد أخرج زكاة ماله لهذه السنة، فهل يجوز له أن يعطي قريبه من زكاة ماله عن السنة القادمة؟

الإجابة:

يجوز تعجيل زكاة الأموال التي يشترط لها الحول قبل حلول الحول، على الراجح من أقوال أهل العلم، وهو قول الحسن البصري وسعيد بن جبير والزهري والأوزاعي والحنفية والشافعية والحنابلة، وهو قول إسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم ابن سلام وغيرهم، انظر المغني 2/470، ويدل على ذلك أحاديث منها:

- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه «أن العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، سأل الرسول عليه الصلاة والسلام في تعجيل صدقته قبل أن تحلَّ، فرخص له في ذلك» (رواه الترمذي وأبو داود وغيرهما. وقال الإمام النووي: وإسناده حسن المجموع 6/145، وقال الشيخ الألباني: حديث حسن)، صحيح سنن الترمذي 1/207.

- وعن علي أيضاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب: «إنا أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام»  (رواه أبو داود والترمذي، وقال الشيخ الألباني: حسن أيضاً صحيح) سنن الترمذي 1/20.

- وفي رواية أخرى عن علي أيضاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنا كنا احتجنا فاستسلفنا من العباس صدقة عامين» قال البيهقي: وهذا مرسل.

قال الإمام النووي بعد أن ذكر الأدلة على جواز تعجيل الزكاة: [إذا عرفت هذا، حصل الاستدلال على جواز التعجيل من مجموع ما ذكرنا، وقد قدمنا في أول هذا الشرح أن الشافعي يحتج بالحديث المرسل إذا اعتضد بأحد أربعة أمور، وهي أن يسند من جهة أخرى أو يرسل، أو يقول بعض الصحابة أو أكثر العلماء به فمتى وجد واحد من هذه الأربعة جاز الاحتجاج به، وقد وجد في هذا الحديث المذكور عن علي رضي الله عنه، بأنه روي في الصحيحين معناه من حديث أبي هريرة السابق وروى هو أيضاً مرسلاً ومتصلاً كما سبق، وقال به من الصحابة ابن عمر، وقال به أكثر العلماء كما نقله الترمذي، فحصلت الدلائل المتظاهرة على صحة الاحتجاج به، والله أعلم] المجموع 6/146.

وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه الإمام النووي، هو ما رواه البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة، فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد وعباس بن عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله رسوله، وأما خالد، فإنكم تظلمون خالداً فقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله، وأما العباس بن عبد المطلب، فعم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي عليه صدقة ومثلها معها».

وفي رواية أخرى: «وأما العباس فهي عَلَيَّ ومثلها معها» (رواه مسلم). وقد اختلف أهل العلم في المراد بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم في حق صدقة العباس على أقوال منها ما قاله الحافظ ابن حجر: [وقيل معنى قوله (عَلَيَّ) أي هي عندي قرض، لأنني استلفت منه صدقة عامين، وقد ورد ذلك صريحاً بما أخرجه الترمذي وغيره من حديث علي]، -ثم ذكر الروايات الواردة في تعجيل العباس صدقته وبين حال إسنادها- ثم قال: [. . . وليس ثبوت هذه القصة في تعجيل صدقة العباس ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق، والله أعلم] فتح الباري 4/76.

قال الشيخ الألباني: [قلت: وهو الذي نجزم به لصحة سندها مرسلاً وهذه شواهد لم يشتد ضعفها فهو يتقوى بها ويرتقي إلى درجة الحسن على أقل الأحوال] إرواء الغليل 3/49.

وقال الإمام النووي في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: «فهي عليَّ ومثلها معها» [والصواب أن معناه تعجلتها منه وقد جاء في حديث آخر في غير مسلم «إنا تعجلنا منه صدقة عامين»] شرح النووي على صحيح مسلم 3/49.

ومما يدل على جواز تعجيل الزكاة، ما ورد في جواز تعجيل صدقة الفطر قبل وقت الوجوب، كما هو مذهب جمهور أهل العلم، وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما، (أنه كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة) رواه مالك في الموطأ والبيهقي في السنن وغيرهما.

ومما احتج به العلماء على جواز تعجيل الزكاة قبل حلول الحول، قياس ذلك على جواز الكفارة قبل الحنث، لما ثبت في أحاديث كثيرة منها، قوله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين، فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير» (رواه مسلم).

وقد أجاز الحنفية تعجيل زكاة سنوات كثيرة، وأجاز الحسن البصري أن يعجلها لثلاث سنوات فقد روى أبو عبيد بإسناده عن حفص بن سليمان قال: [قلت للحسن: أأخرج زكاة ثلاثة أعوام ضربة - أي دفعة واحدة - فلم ير بذلك بأساً] الأموال ص703.

والأولى هو ألا يزيد التعجيل عن حولين، لأنه هو الذي وردت به النصوص.