شراء الكتب لطلاب العلم من مال الزكاة
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: فقه الزكاة - طلب العلم - فتاوى وأحكام -
هَلْ يَجوز أن أشتريَ الكتُب الإسلاميَّة بمال الزَّكاة، وأُعطيها للعُلَماء الفُقَراء، وللمتعلِّمين الفُقَراء؟
شكرًا لك، بارك الله فيك.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقدْ ذهبَ أكثرُ أهل العلم إلى مَشْروعيَّة إعطاء الزَّكاة لطالب العلم، وهو مذْهب الحنفيَّة، والشَّافعيَّة، والحنابلة.
وذهب المالكيَّة إلى أنَّه يجوز إعْطاء الزَّكاة للصَّحيح القادر على الكسب، ولو كان ترْكُه التَّكسُّب اختِيارًا على المشهور.
وقال الحنفيَّة: يَجوز أن يأْخُذَ طالب العِلْم الزَّكاة ولو كان غنِيًّا، إذا فرَّغ نفسَه لإفادة العِلْم واستفادته، وفي "المبسوط": "لا يَجوز دفْع الزَّكاة إلى مَن يَملك نصابًا؛ إلاَّ إلى طالبِ العلم، والغازي، ومنقطع الحجِّ".
قال ابن عابدين: "والأوْجَه تقْييده بالفقير، ويكون طلب العلم مرخِّصًا لجواز سؤالِه من الزَّكاة وغيرها، وإن كان قادرًا على الكسب؛ إذْ بدونه لا يحلُّ له السُّؤال".
قال النَّوويُّ: "ولو قدر على كسْبٍ يَليق بحاله، إلاَّ أنَّه مشتغِل بتحْصيل بعض العلوم الشَّرعيَّة، بحيث لو أقْبل على الكسْب لانْقَطَع من التَّحصيل - حلَّت له الزّكاة؛ لأنَّ تَحصيل العِلْم فرض كفاية، وأمَّا مَن لا يتأتَّى منه التَّحصيل لا تحلُّ له الزَّكاة، إذا قدر على الكسْب، وإن كان مقيمًا بالمدرسة".
وقال البهوتيّ: "وإن تفرَّغ قادرٌ على التَّكسُّب للعلم الشَّرعيِّ - وإن لم يكن لازمًا له - وتعذَّر الجمْع بين العِلْم والتَّكسُّب - أُعْطِي مِن الزَّكاة لحاجته".
وقال في "منتهى الإرادات": (وإن تفرَّغ قادرٌ على التكسُّب) تفرُّغًا كليًّا (للعلم) الشَّرعي، (لا) إن تفرَّغ (للعبادة، وتعذَّر الجمع) بين التكسُّب والاشتِغال بالعلم - (أُعْطِي) من زكاةٍ لحاجته، وإن لم يكن العِلْم لازمًا له يتعدَّى نفعه، بِخلاف العبادة، ويَجوز أخْذه ما يحتاج إليه من كتُب العلم، الَّتي لا بدَّ لمصلحة دينِه ودنياه منْها، ذكره الشَّيخ تقي الدين". اهـ.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيميَّة عمَّن ليس معه ما يشتري به كتبًا يشتغل فيها، فقال: "يَجوز أخْذه من الزَّكاة ما يَحتاج إليْه من كتُب العلم، الَّتي لا بدَّ لمصلحة دينه ودنياه منها".
قال البهوتيُّ: "ولعلَّ ذلك غير خارج عن الأصناف؛ لأنَّ ذلك من جُملة ما يحتاجه طالب العلم، فهو كنفقته".
وممَّا سبق يتبيَّن أنَّ العالم وطالِب العلم إذا كانا فقيرين، جازَ لهُما أن يأخُذا من الزَّكاة، وكذلك إذا كانا قادِرَين على التكسُّب، وتفرَّغا لطلَب العلم ونشْرِه وتعْليمه، وتعذَّر عليْه الجَمْع بين التكسُّب والطَّلب أو التعليم، وكذلك يُعْطَى ليشتريَ ما يَحتاجه من كتُبٍ، لكن لا يعطى ليؤثث مكتبة كبيرة، بل لسدِّ حاجته في طلب العلم فقط؛ كما قال الشيخ محمد بن عثيمين في "الشرح الممتع".
والله أعلم.