حكم الاعتماد على الحساب الفلكي في تحديد بداية الشهور
الشبكة الإسلامية
- التصنيفات: فقه الصيام -
ما هو حكم الشرع في هذا البيان الذي أُلْزِمَتْ به أغلب المساجد في أوروبا؟ ما حكم من اتبع هذا الكلام وصام رمضان حسب الحسابات الفلكية؟ هل من نصيحة للذين أصدروا هذا البيان وكذلك لمن اتبعهم في تحديد شهر رمضان؟
تحديد بداية شهر رمضان بتاريخ: 11-8-2009.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، وبعد: فإن الأمانة العامة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث تنتهز هذه الأيام المباركة لتدعو المسلمين قاطبة إلى الاعتصام بحبل الله تعالى ووحدة الصف ولمِّ الشمل متذكرين قول الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها} [آل عمران: 103].
ولعل قدوم شهر رمضان يكون فرصة ليستدرك المسلمون مافاتهم فيصلحوا من أحوالهم ويوحدوا صفوفهم وينبذوا ما يفرقهم لعل الله أن يبدل الحال إلى أحسن الأحوال: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}[الرعد: 11].
كما تود الأمانة العامة أن تؤكد على قرار المجمع الفقهي الدولي في قراره رقم (18) في مؤتمره الثالث لعام 1986م، أنه لا عبرة باختلاف المطالع لعموم الخطاب: « » (متفق عليه). وعلى ما صدر عن المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في دورته التاسعة عشرة حول إثبات دخول الشهور القمرية والتي أشارت إلى:
1. أن الحساب الفلكي أصبح أحد العلوم المعاصرة التي وصلت إلى درجة عالية من الدقة بكل ما يتعلق بحركة الكواكب السيارة وخصوصاً حركة القمر والأرض ومعرفة مواضعها بالنسبة للقبة السماوية، وحساب مواضعها بالنسبة لبعضها البعض في كل لحظة من لحظات الزمن بصورة قطعية لا تقبل الشك.
2. أن وقت اجتماع الشمس والأرض والقمر أو ما يعبر عنه بالاقتران أو الاستسرار أو المحاق حدث كوني يحصل في لحظة زمنية واحدة، ويستطيع علم الفلك أن يحسب هذا الوقت بدقة فائقة بصورة مسبقة قبل وقوعه لعدد من السنين، وهو يعني انتهاء الشهر المنصرم وابتداء الشهر الجديد فلكياً. والاقتران يمكن أن يحدث في أي لحظة من لحظات الليل والنهار.
3. يثبت دخول الشهر الجديد شرعياً إذا توافر ما يلي:
أولاً: أن يكون الاقتران قد حدث فعلاً قبل غروب الشمس.
ثانياً: أن يكون هناك إمكانية لرؤية الهلال بالعين المجردة أو بالاستعانة بآلات الرصد في أي موقع على سطح الأرض، ولا عبرة لاختلاف المطالع لعموم الخطاب بالأمر بالصوم والإفطار.
ثالثاً: لقبول إمكانية رؤية الهلال لا بد أن تتحقق الشروط الفلكية التالية:
أ - أن يغرب الهلال بعد غروب الشمس في موقع إمكانية الرؤية.
ب - ألا تقلّ زاوية ارتفاع القمر عن الأفق عند غروب الشمس عن (5°) خمس درجات.
ج - ألاّ يقلّ البعد الزاوي بين الشمس والقمر عن (8°) ثماني درجات.
4 - على المسلمين في البلاد الأوروبية أن يأخذوا بهذه القاعدة في دخول الشهور القمرية والخروج منها وخصوصاً شهري رمضان وشوال، وتحديد مواعيد هذه الشهور بصورة مسبقة، مما يساعد على تأدية عباداتهم وما يتعلق بها من أعياد ومناسبات وتنظيم ذلك مع ارتباطاتها في المجتمع الذي تعيش فيه.
5 - يوصي المجلس أعضاءه وأئمة المساجد وعلماء الشريعة في المجتمعات الإسلامية وغيرها بالعمل على ترسيخ ثقافة احترام ما انتهى إليه القطعي من علوم الحساب الفلكي عندما يقرر عدم إمكانية الرؤية، بسبب عدم حدوث الاقتران، وأن لا يُدعى إلى ترائي الهلال، ولا يقبل ادعاء رؤيته.
وبناءً عليه تعلن الأمانة العامة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بخصوص رؤية هلال شهر رمضان المبارك للعام الهجري 1430هـ 2009م، أن المعلومات الفلكية العلمية تؤكد التالي:
1. أن هلال شهر رمضان لعام 1430هـ يولد في الساعة (10) و(02) دقيقة و(35) ثانية حسب التوقيت العالمي الموحد (غرينتش) من يوم الخميس الواقع في (20) آب / أغسطس 2009م أو ما يوافق الساعة (13) و(02) دقيقة و(35) ثانية حسب التوقيت المحلي لمكة المكرمة.
2. أن الرؤية ممكنة في قسم كبير من الجنوب الغربي لأمريكا اللاتينية. ففي مدينة سانتياغو مثلا تغرب الشمس في الساعة (18:17) ويغرب القمر في الساعة (18:51) أي أن القمر يتأخر في غروبه عن الشمس بـ (33) دقيقة ويكون ارتفاعه فوق الأفق أكثر من (5) درجات. وفي مدينة ليما من البيرو تغرب الشمس في الساعة (18:05) ويغرب القمر في الساعة (18:31) أي يتأخر القمر في غروبه عن الشمس بـ (26) دقيقة ويكون ارتفاعه فوق الأفق (6) درجات.
3. وبناء على ما سبق سيكون أول شهر رمضان لعام 1430هـ بإذن الله تعالى يوم الجمعة الموافق لـ (21 ) آب /أغسطس 2009 م.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فقد سبق لنا أن بينا في عدة فتاوى عدم مشروعية الاعتماد على الحساب الفلكي في تحديد بداية الشهور القمرية وانتهائها، وأن القول بالحساب الفلكي يعتبر قولا مخالفا لما دلت عليه الأحاديث الصحيحة ولما اتفق عليه الصحابة ومردود عند جمهور أهل العلم، وأن مجمع الفقه الإسلامي قرر عدم الاعتماد على الحساب الفلكي. بل ومخالف أيضا للغة العرب التي نزل بها القرآن، فالهلال مأخوذ من الإهلال أي الظهور، فإذا لم يره الناس فهو ليس هلالا ولا عبرة بأقوال الفلكيين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: فَإِنَّ الْهِلَالَ مَأْخُوذٌ مِنْ الظُّهُورِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ فَطُلُوعُهُ فِي السَّمَاءِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ فِي الْأَرْضِ فَلَا حُكْمَ لَهُ لَا بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا. وقال أيضا: وَذَلِكَ أَنَّ الْهِلَالَ أَمْرٌ مَشْهُودٌ مَرْئِيٌّ بِالْأَبْصَارِ. وَمِنْ أَصَحِّ الْمَعْلُومَاتِ مَا شُوهِدَ بِالْأَبْصَارِ وَلِهَذَا سَمَّوْهُ هِلَالًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَادَّةَ تَدُلُّ عَلَى الظُّهُورِ وَالْبَيَانِ: إمَّا سَمْعًا وَإِمَّا بَصَرًا. وهلال أصحاب الفلك ليس هلالا ظاهرا لا بصرا ولا سمعا، وأما البيان المذكور فلنا عليه عدة ملاحظات:
أولا: قولهم: على المسلمين في البلاد الأوروبية أن يأخذوا بهذه القاعدة... إلخ، إن كانوا يعنون أنه يجب على المسلمين أن يأخذوا بهذه القاعدة – كما يدل عليه لفظ (على) – فهذا إيجاب لما لم يوجبه الله ولا رسوله، وأين هي الأدلة الشرعية من الكتاب أو السنة أو الإجماع على وجوب الأخذ بالحساب الفلكي.
ثانيا: إذا كانوا يرون أنه لا عبرة باختلاف المطالع فلماذا لا يوجبون ذلك على المسلمين في الأرض كلها؟! لماذا يوجبونه على المسلمين في أوروبا فقط، وهذا تناقض عجيب.
ثالثا: دعواهم بأن الحساب الفلكي يعتبر قطعيا هذه دعوى يكذبها الواقع فيما نرى، فقد تعدد الحالات التي يخبر فيها الفلكيون باستحالة رؤية الهلال، ثم يثبت رؤيته بشهادة العشرات – وليس الآحاد - من الناس العدول في بلدان المسلمين على اختلافها، وانظر المبحث النفيس الذي ذكره العلامة بكر أبو زيد رحمه الله تعالى حول إثبات أن الحساب ظني وليس قطعيا وذلك في كتابه فقه النوازل (2 /216)، وقد ذكر حوادث كثيرة موثقة تدل على أن الحساب ظني وليس قطعيا، وإذا كان الأمر كذلك فليس من الصواب إيجاب الأخذ بالحساب الظني وترك ما جاء به الشرع من الاعتماد على الرؤية أو إتمام شعبان ثلاثين يوما.
والخلاصة أننا نرى أن هذا البيان لا عبرة به وأنه يجب على المسلمين في أوروبا أن يتحروا الهلال فإن رأوه صاموا وإن لم يروه – سواء لأجل غيم أو كان الجو صحوا – أتموا عدة شعبان ثلاثين يوما، وهذا ما جاء به الشرع المطهر وقد قال الله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3]. والاعتصام بحبل الله تعالى الذي ورد في الآية الكريمة التي صدر بها البيان معناه الاعتصام بالكتاب وليس في الكتاب والسنة الاعتماد على الحساب الفلكي.
والله أعلم.