الفرق بين الفدية والكفارة

حسام الدين عفانه

  • التصنيفات: فقه الصيام -
السؤال:

 ما الفرق بين الفدية والكفارة في الصيام ومتى تلزم كل منهما؟

الإجابة:

كثير من الناس يلتبس عليه الفرق بين الفدية والكفارة في الصوم.

والفرق بينهما أن الفدية هي المذكورة في قول الله تعالى:  {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184].
وهذه الآية في حق الشيخ الكبير ومن في حكمه ممن لا يستطيع الصوم فإنه يفطر ويخرج عن كل يوم أفطره فدية طعام مسكين.
ويلحق بالشيخ الكبير المرأة الكبيرة الهرمة والمريض مرضاً مزمناً لا يرجى شفاؤه.
وألحق بعض العلماء بهم الحامل والمرضع التي تخاف على ولدها تقضي وتطعم مسكيناً ولكن الراجح من أقوال العلماء أن الحامل والمرضع تقضيان فقط.

وقال جمهور الفقهاء من كان عليه قضاء من رمضان فلم يقضه حتى دخل رمضان التالي فعليه القضاء والفدية وقال الحنفية يلزمه القضاء بدون فدية وهو أرجح قولي العلماء في المسألة.
ومقدار الفدية مُدُّ بِمُدِّ النبي صلى الله عليه وسلم ويساوي في زماننا هذا نصف كيلوغرام ويزيد قليلاً عليه وهذا مذهب جمهور أهل العلم.

وأما الكفارة فهي التي ورد ذكرها في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت يا رسول الله، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: ثم جلس، فأوتي النبي صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فيه تمر، فقال صلى الله عليه وسلم: تصدق بهذا، قال: أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك» (رواه البخاري ومسلم).
و العَرَق هو القفة والمكتل ويسع خمسة عشر صاعاً وهي ستون مُدَّاً لستين مسكيناً لكل مسكين مُدّ، قاله الإمام النووي. شرح النووي على صحيح مسلم 3/184.

وهذه الكفارة لها خصال ثلاث:
الأولى: عتق رقبة.
والثانية: صيام شهرين متتابعين دون أن يكون بينهما فاصل إلا من عذر شرعي كالمرض.
والثالثة: إطعام ستين مسكيناً لكل منهم مُدٌّ بمدِّ النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الإمام البغوي: "وفيه - أي حديث أبي هريرة - دلالة من حيث الظاهر أن طعام الكفارة مُدُّ لكل مسكين لا يجوز أقل منه ولا يجب أكثر لأن خمسة عشر صاعاً إذا قسمت بين ستين مسكيناً يخص كل واحد منهم مُدٌّ وإلى هذا ذهب الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد" (شرح السنة 6/285).

والكفارة خاصة عند جمهور أهل العلم بمن جامع زوجته في نهار رمضان متعمداً فقط.
وقال بعض أهل العلم: تجب الكفارة في حق من تعمد انتهاك حرمة صوم رمضان سواء كان ذلك بأكل أو شرب أو جماع، وقول الجمهور أرجح.

والكفارة واجبة عند جمهور العلماء على الترتيب فيبدأ بالعتق أولاً ونظراً لعدم وجود رقيق في عصرنا الحاضر فيبدأ بصوم ستين يوماً متتابعةً لا يصح قطعها إلا بعذر شرعي، فإن كان عاجزاً عن الصيام فإنه يطعم ستين مسكيناً.

قال الإمام البغوي: "وكفارة الجماع مرتبة مثل الظهار فعليه عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فعليه أن يصوم شهرين متتابعين فإن لم يستطع فعليه أن يطعم ستين مسكيناً هذا قول أكثر العلماء".. (شرح السنة 6/285).

ومما يدل على الترتيب في الكفارة ما جاء في رواية لحديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل: «أعتق رقبة، قال: لا أجد، قال: صم شهرين متتابعين، قال: لا أطيق، قال: أطعم ستين مسكيناً، قال: لا أجد» (رواه ابن ماجة وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح سنن ابن ماجة 1/280).

قال ابن تيمية الجَدُّ رحمه الله: "وفيه - أي الرواية السابقة للحديث - دلالة قوية على الترتيب" (نيل الأوطار 4/240).

وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم أن الكفارة على الترتيب وقد رجحه ابن قدامة المقدسي في المغني 3/140 والشوكاني في نيل الأوطار 4/240.

ويجب على من أفطر بالجماع في نهار رمضان بالإضافة للكفارة أن يقضي ذلك اليوم لأنه قد ورد في بعض روايات حديث أبي هريرة السابق قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: «وصم يوماً واستغفر الله»  (وقد صححها الشيخ الألباني في كتابه ”إرواء الغليل” 4/90-93).

قال الإمام البغوي: "وقوله: «صم يوماً واستغفر الله» فيه بيان أن قضاء ذلك اليوم لا يدخل في صيام الشهرين عن الكفارة وهو قول عامة أهل العلم غير الأوزاعي" (شرح السنة 6/288-289).

فإن عجز عن الكفارة بخصالها الثلاث لم تسقط عنه وتبقى ديناً في ذمته على الراجح من أقوال العلماء إلى أن تتيسر له الكفارة فيكفر.

قال الإمام النووي: "فإن عجز عن الخصال الثلاث فللشافعي قولان أحدهما: لا شيء عليه وإن استطاع بعد ذلك فلا شيء عليه.. والقول الثاني وهو الصحيح عند أصحابنا وهو المختار أن الكفارة لا تسقط بل تستقر في ذمته حتى يتمكن قياساً على سائر الديون والحقوق والمؤآخذات كجزاء الصيد وغيره.
وأما الحديث فليس فيه نفي استقرار الكفارة بل فيه دليل لاستقرارها لأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عاجز عن الخصال الثلاث ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق التمر فأمره بإخراجه في الكفارة فلو كانت تسقط بالعجز لم يكن عليه شيء ولم يأمره بإخراجه فدل على ثبوتها في ذمته وإنما أذن له في إطعام عياله لأنه كان محتاجاً ومضطراً إلى الإنفاق على عياله في الحال والكفارة على التراخي فأذن له في أكله وإطعام عياله وبقيت الكفارة في ذمته" (شرح النووي على صحيح مسلم 3/182-183).

وينبغي أن يعلم أن الكفارة تجب في حالة إفساد صوم رمضان فقط دون غيره من أنواع الصوم الأخرى كصوم القضاء وصوم النذر وصوم النافلة وصوم الكفارة فإن أفسد صوماً منها فعليه القضاء فقط.

قال الشيخ ابن قدامة: "ولا تجب الكفارة بالفطر في غير رمضان في قول أهل العلم وجمهور الفقهاء" (المغني 3/138).