هل يحج عن أبيه أولاً أم عن أمه؟

حسام الدين عفانه

  • التصنيفات: فقه الحج والعمرة -
السؤال:

مات والديه ولم يؤديا فريضة الحج لفقرهما وهو رجل غني يريد أن يحج عنهما فهل يحج عن أبيه أولاً أم عن أمه أفيدونا؟

الإجابة:

إن الحج عن الوالدين الذين قد ماتا وهما فقيرين ولم يؤديا فريضة الحج من باب البر بهما والإحــســان إليهما،  قال تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء 23]، وهذا الولد له الأجر والثواب الجزيل إن شاء الله تعالى ويقع الحج عن الوالدين الميتين وينتفعان به بإذن الله تعالى. ويدل على جواز الحج عن الغير أدلة كثيرة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم منها: عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟! اقضوا الله فالله أحق بالوفاء» (رواه البخاري). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان الفضل بن عباس رديف النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر فقالت: إن فريضة الله أدركت أبـي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم وذلك في حجة الوداع» (رواه البخاري ومسلم). وفي رواية مسلم: «قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عبادة في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم». وعن أبي رزين العقيلي أنه قال: «يا رسول الله: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن قال: حج عن أبيك واعتمر» (رواه النسائي)، وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن النسائي 2/556، والظعن أي الارتحال والسفر. وعن عبد الله بن الزبير قال: «جاء رجل من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الركوب وأدركته فريضة الله في الحج فهل يجزىء أن أحج عنه قال: آنت أكبر ولده؟ قال: نعم،  قال: أرأيت لو كان عليه دين أكنت تقضيه؟ قال: نعم، قال: فحج عنه» (رواه النسائي وأحمد والبيهقي وقال الحافظ ابن حجر: إسناده صالح. التلخيص الحبير 2/225). وقد أخذ جمهور أهل العلم بمقتضى هذه الأحاديث فأجازوا الحج عن الميت وأجازوا الحج عن المريض مرضاً لا يرجى برؤه ولا يستطيع تحمل مشاق السفر وكذلك الكبير الذي لا يحتمل مشاق السفر فيجوز الحج عن هؤلاء بشرط أن يكون النائب وهو من يحج عن غيره قد حج عن نفسه وهذا قول الشافعية والحنابلة والأوزاعي وإسـحاق بـن راهـويه كـمـا قال الشيخ ابن قدامة في المغني 3/235. ويدل على هذا الإشتراط ما ورد في الحديث عن ابن عباس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي، قال: هل حججت قط؟ قال: لا، قال: فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة» (رواه أبو داود وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 4/171).

إذا تقرر جواز الحج عن الغير وبما في ذلك الأب والأم بالشرط السابق فينبغي أن يبدأ بالحج عن أمه أولاً ثم يحج عن أبيه في عام آخر لأن الأم مقدمة في البر على الأب، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [يستحب أن يحج الإنسان عن أبويه إذا كانا ميتين أو عاجزين لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا رزين فقال: «حج عن أبيك واعتمر»و «سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيها مات ولم يحج فقال: حجي عن أبيك» ويستحب البداءة بالحج عن الأم إن كان تطوعاً أو واجباً عليهما نص عليه أحمد في التطوع لأن الأم مقدمة في البر، قال أبو هريرة: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك» (رواه مسلم والبخاري)، وإن كان الحج واجباً على الأب دونها بدأ به لأنه واجب فكان أولى من التطوع. وروى زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا حج الرجل عن والديه يقبل منه ومنهما واستبشرت أرواحهما في السماء وكتب عند الله براً». وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حج عن أبويه أو قضى عنهما مغرماً بعث يوم القيامة مع الأبرار»] المغني 3/235. والحديثان الأخيران اللذان وردا في كلام ابن قدامة ضعيفان عند أهل الحديث، قال الشيخ الألباني عن حديث زيد بن أرقـم: (إذا حج الرجل عن والديه يقبل منه … الخ) ضعيف أخرجه الــدار قطني وابن شاهين، السلسلة الضعيفة 3/626. وقال الشيخ الألباني عن حديث ابن عباس: (من حج عن أبويه …) ضعيف جداً أخرجه ابن شاهين والطبراني في الأوسط والدارقطني. السلسة الضعيفة 3/628. ومع ضعف الحديثين السابقين إلا أنه يستأنس بهما لأنهما يدخلان تحت أصل صحيح كما سبق في حديث الخثعمية وحديث أبي رزين وغيرهما.