الحج عن الغير

حسام الدين عفانه

  • التصنيفات: فقه الحج والعمرة -
السؤال:

 لها أماً كبيرة في السن وظهرت عليها أمارات الخرف فكيف تعاملها؟ وتقول إن لأمها مبلغاً من المال عند -شخص ويطالب بهذا المبلغ أخ لها مع أنه لا يقدم لوالدتها شيئاً ولا يهتم بها بينما تقوم هذه المرأة بالإنفاق على أمها والعناية بها وتسأل من أولى بأخذ هذا المبلغ هذه المرأة أم أخوها؟ وتقول أيضاً أنها تريد أن تحج عن أمها من ذلك المبلغ فهل يجوز لها ذلك؟

الإجابة:

إن الإسلام أمر ببر الوالدين والإحسان لهما في حياتهما وبعد وفاتهما ويقول سبحانه وتعالى: ( {قَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:23-24]. وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}  [العنكبوت: 8]. وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}  [لقمان:14].  ووردت أحاديث كثيرة منها:عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه» (رواه مسلم وأبو داود والترمذي). وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «سـألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها.  قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين.  قلت: ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله» (رواه البخاري ومسلم). عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك» (رواه البخاري ومسلم). وعن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: «بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي علي من بر والدي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال: نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما» (رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان). والمراد بالصلاة عليهما: الدعاء لهما. وغير ذلك من الأحاديث. إن المتمعن في هذه النصوص ليظهر له مدى رعاية الإسلام للوالدين وتأكيده على حسن معاملتهما وعدم إيذائهما حتى ولو كان بكلمة أف. فيجب على هذه المرأة السائلة أن تحسن معاملة أمها مهما اتصفت أو فعلت وإن كانت خرفة لا تدري ماذا تفعل أو يصدر عنها. وينبغي أن نذكر بأن بعض الناس إذا كبر والداه أو أحدهما يرسلهما إلى ملجأ العجزة أو بيت للمسنين ويتضجر من خدمتهما والقيام على شأنهما وهذا لا يليق بالمسلم أن يفعله فعلى المسلم أن يقوم على خدمة والديه كما ربياه صغيراً وأن يحسن لهما في الكبر كما أحسنا له في الصغر وعليه أن يتذكر أنه لا يقبل أن يعامله أولاده بهذه المعاملة عندما يتقدم به العمر فلا يرضى لنفسه أن يتخلص أولاده منه ويلقوا به إلى بيوت العجزة والمسنين. وأنا اعتبر أن ظاهرة انتشار بيوت المسنين ظاهرة غريبة عن المجتمع المسلم وهي تدل على انقطاع أواصر الترحام بين أفراد العائلة وتدل على أنانية مقيتة وأنفة بغيضة. حيث يأنف الأبناء عن رعاية الآباء وهذه الظاهرة تنافي قوله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَـهُمَا قَوْلًا كَـرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}. قال القرطبي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: (خص حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر فألزم في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمه من قبل لأنهما في هذه الحالة قد صارا كلاً عليه فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه فلذلك خص هذه الحالة بالذكر) تفسير القرطبي 10 /214.  وورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: «رغم أنفه، رغم أنفه، قيل من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة» (رواه مسلم).

وأما بالنسبة للمبلغ الذي لهذه الأم فابنتها أولى به من ابنها الذي لا يتعرف على أمه ولا ينفق عليها فلهذه المرأة أن تأخذ هذا المبلغ وتنفقه على والدتها. وعلى هذا الابن أن يتقي الله في نفسه ويبتعد عن هذه المعصية الكبيرة فإن فعله هذا عقوق لوالدته والعقوق من كبائر الذنوب فعليه أن يتوب إلى الله توبة صادقة وأن يقبل على خدمة والدته وبرها والإحسان إليها.

وأما بالنسبة لسؤالها عن الحج بذلك المال عن والدتها فالجواب: أنه يجوز لها أن تحج عن أمها بشرط أن تكون هذه المرأة قد حجت عن نفسها أولاً كما هو مذهب جماعة من أهل العلم ويدل على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة. قال: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي. قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة» (رواه ابو داود وابن ماجة وابن حبان والبيهقي وقال البيهقي: (هذا إسناد صحيح ليس في هذا الباب أصح منه) ومال إلى تصحيحه الحافظ ابن حجر وصححه الألباني).