الحكمة من إجازة السبي والغنائم في الإسلام

الشبكة الإسلامية

  • التصنيفات: فقه الجهاد -
السؤال:

نعلم جيدًا أن الله شرع لنا جهاد الطلب لنشر رسالة الله، وتعبيد الناس لدين الله، وإيصال رسالة الإسلام، وليس لغرض دنيوي، فلماذا أباح الله لنا أخذ أموال الكفار، وسبي نسائهم، وذراريهم، وتقسيم أموالهم، وأرضهم، وتوزيع كل ذلك على المجاهدين في البلاد المفتوحة عنوة؟ أريد أن أعرف الحكمة، وشكرًا.
 

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: فمن أنعم النظر في شريعة الجهاد وأحكامه، عرف أنها من دلائل الحق على ربانية هذه الشريعة المباركة، التي تجمع على أتباعها مصالح المعاش والمعاد، في الدنيا والآخرة!
قال الدهلوي في حجة الله البالغة: أتم الشرائع، وأكمل النواميس هو الشرع الذي يؤمر فيه بالجهاد؛ وذلك لأن تكليف الله عباده بما أمر ونهى، مثله كمثل رجل مرض عبيده، فأمر رجلًا من خاصته أن يسقيهم دواء، فلو أنه قهرهم على شرب الدواء، وأوجره في أفواههم لكان حقًّا، لكن الرحمة اقتضت أن يبين لهم فوائد الدواء؛ ليشربوه على رغبة فيه، وأن يخلط معه العسل؛ ليتعاضد فيه الرغبة الطبيعية والعقلية.
ثم إن كثيرًا من الناس يغلب عليهم الشهوات الدنية، والأخلاق السبعية، ووساوس الشيطان في حب الرياسات، ويلصق بقلوبهم رسوم آبائهم، فلا يسمعون تلك الفوائد، ولا يذعنون لما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتأملون في حسنه، فليست الرحمة في حق أولئك أن يقتصر على إثبات الحجة عليهم، بل الرحمة في حقهم أن يقهروا؛ ليدخل الإيمان عليهم على رغم أنفهم بمنزلة إيجاد الدواء المر، ولا قهر إلا بقتل من له منهم نكاية شديدة، وتمنع قوي، أو تفريق منعتهم، وسلب أموالهم حتى يصيروا لا يقدرون على شيء، فعند ذلك يدخل أتباعهم وذراريهم في الإيمان برغبة وطوع؛ ولذلك كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر: «كان عليك إثم الأريسيين»، وربما كان أسرهم وقهرهم يؤدي إلى إيمانهم، وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل». وأيضًا فالرحمة التامة الكاملة بالنسبة إلى البشر أن يهديهم الله إلى الإحسان، وأن يكبح ظالمهم عن الظلم، وأن يصلح ارتفاقاتهم، وتدبير منزلهم، وسياسة مدينتهم، فالمدن الفاسدة التي يغلب عليها نفوس السبعية، ويكون لهم تمنع شديد إنما هو بمنزلة الأكلة في بدن الإنسان، لا يصح الإنسان إلا بقطعه، والذي يتوجه إلى إصلاح مزاجه وإقامة طبيعته لا بد له من القطع، والشر القليل إذا كان مفضيًا إلى الخير الكثير، واجب فعله .. اهـ.
ومن أقر بأهمية الجهاد في نشر هذا الدين، وحفظ هذه الملة، وإرغام أنوف أعدائها، وإزالة العوائق من طريقها، ونحو ذلك من المصالح الهامة والعامة، والمنافع المتعدية التامة، فلا بد أن يراعي متطلبات إقامته وبقائه، وإرهاب خصومه ومناوئيه، وهذا هو الأصل الجامع الذي يمكن فهم أحكام الجهاد من خلاله، إذا ما رُوعيت عالمية الرسالة المحمدية، وما يترتب على ذلك من ضخامة المهمة الملقاة على عاتق هذه الأمة! فهذا يمهد السبيل لإدراك دلالة الاقتران بين عموم الرسالة، وإحلال الغنائم لهذه الأمة بعد أن كانت حرامًا على من قبلهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي ...» (الحديث. رواه البخاري ومسلم).
قال الدهلوي: الأنبياء قبل النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يبعثون إلى أقوامهم خاصة، وهم محصورون يتأتى الجهاد معهم في سنة، أو سنتين، ونحو ذلك، وكانت أممهم أقوياء يقدرون على الجمع بين الجهاد والتسبب بمثل الفلاحة، والتجارة، فلم يكن لهم حاجة إلى الغنائم، فأراد الله تعالى ألا يُخلط بعملهم غرض دنيوي؛ ليكون أتم لأجورهم، وبعث نبينا صلى الله عليه وسلم إلى كافة الناس، وهم غير محصورين، ولا كان زمان الجهاد معهم محصورًا، وكانوا لا يستطيعون الجمع بين الجهاد والتسبب بمثل الفلاحة، والتجارة، فكان لهم حاجة إلى إباحة الغنائم، وكانت أمته لعموم دعوته تشتمل ناسًا ضعفاء في النية ـ وفيهم ورد: "إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" ـ لا يجاهد أولئك إلا لغرض عاجل، وكانت الرحمة شملتهم في أمر الجهاد شمولًا عظيمًا، وكان الغضب متوجهًا إلى أعدائهم توجهًا عظيمًا، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله نظر إلى أهل الأرض، فمقت عربهم، وعجمهم»، فأوجب ذلك زوال عصمة أموالهم، ودمائهم على الوجه الأتم، وأوجب إغاظة قلوبهم بالتصرف في أموالهم، كما أهدى إلى الحرم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعير أبي جهل في أنفه برة فضة، يغيظ الكفار، وكما أمر بقطع النخيل وإحراقها إغاظة لأهلها؛ فلذلك نزل القرآن بإباحة الغنائم لهذه الأمة. اهـ.
وقال أيضًا: أراد الشرع أن يوزع بيت المال المجتمع في كل بلاد على ما يلائمها، فجعل مصرف الزكاة، والعشر ما يكون فيه كفاية المحتاجين أكثر من غيرها، ومصرف الغنيمة، والفيء ما يكون فيه إعداد المقاتلة، وحفظ الملة، وتدبير المدينة أكثر؛ ولذلك جعل سهم اليتامى، والمساكين، والفقراء من الغنيمة والفيء أقل من سهمهم من الصدقات، وسهم الغزاة منهما أكثر من سهمهم منها، ثم الغنيمة إنما تحصل بمعاناة، وإيجاف خيل، وركاب، فلا تطيب قلوبهم إلا بأن يعطوا منها.
والنواميس الكلية المضروبة على كافة الناس لا بد فيها مِن النظر إلى حال عامة الناس، ومِنْ ضم الرغبة الطبيعية إلى الرغبة العقلية، ولا يرغبون إلا بأن يكون هناك ما يجدونه بالقتال، فلذلك كان أربعة أخماسها للغانمين ... اهـ.
فأموال الغنيمة تُوجَّه في الأساس لإعداد عدة الجهاد، ولكفاية المجاهدين أمر المعاش ليتفرغوا لهذه الوظيفة المهمة، والمصلحة العليا.
والله أعلم.