حكم الجهاد مع العصاة قادة كانوا أو أفرادا

الشبكة الإسلامية

  • التصنيفات: فقه الجهاد -
السؤال:

إذا كان هناك جهاد واجب أو فرض عين، وكان أكثر المقاتلين من العصاة المرتكبين للكبائر، منهم التارك للصلاة، أو المتكاسل عنها، ومنهم الزاني، وأكثرهم السارق، وسيء الخلق مع الناس، وهذه الأمور معلومة عنهم، وليست شكوكًا، فهل يبقى الجهاد واجبًا حينئذ؟ خاصة أنهم قد يكونون هم القادة في المعارك، وليس المتقين الصالحين، فهل يجوز القتال معهم ضد الأعداء بدليل أن الله يغفر لهم كل ذنوبهم إلا الدَّين، علمًا أنه لا يمكننا تركهم، فهم عادة الأكثر عددًا، ولا نستطيع محاسبتهم؛ لأن الظروف لا تسمح بمثل هذه الأمور في الحروب، ومحاسبتهم قد تحدث فتنة عظيمة بين المسلمين، أم نتركهم يقاتلون وحدهم؟ وهل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل معه بعض الكفار في بعض غزواته؟ أرجو التفصيل.
 

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فإن فسق القادة والمقاتلين لا يمنع الجهاد معهم ضد العدو، ولو لم يكن الجهاد متعينًا، فكيف إذا تعين؟ جاء في كشاف القناع: (ويغزى مع كل أمير بر وفاجر يحفظان المسلمين) لحديث أبي هريرة مرفوعًا: «الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برًّا كان أو فاجرًا» (رواه أبو داود). وفي الصحيح: «إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر»؛ ولأن تركه مع الفاجر يفضي إلى تركه، وظهور الكفار على المسلمين، واستئصالهم، وإعلاء كلمة الكفر. (ولا يكون) الأمير (مخذولًا، ولا مرجفًا، ولا معروفًا بالهزيمة وتضييع المسلمين) لعدم المقصود من حفظه المسلمين (ولو عرف بالغلول، وشرب الخمر، إنما ذلك في نفسه) أي: إثمه عليه، لا يتعداه إلى غيره، فلا يمنع الغزو معه .اهـ.
فعلى المؤمن أن يجاهد مع إخوانه المسلمين وإن كان فيهم من هو متلطخ بالمعاصي، وعليه مناصحتهم قدر الوسع، والدعاء لهم بالهداية.
والاستعانة بالكفار في القتال محل خلاف بين العلماء، قال ابن قدامة في المغني: ولا يستعان بمشرك، وبهذا قال ابن المنذر، والجوزجاني، وجماعة من أهل العلم، وعن أحمد ما يدل على جواز الاستعانة به، وكلام الخرقي يدل عليه أيضًا عند الحاجة، وهو مذهب الشافعي؛ لحديث الزهري الذي ذكرناه - يعني: روى الزهري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بناس من اليهود في حربه، فأسهم لهم. رواه سعيد، في سننه -، وخبر صفوان بن أمية - يعني: قوله قبل ذلك: وروي: أن صفوان بن أمية، خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر، وهو على شركه، فأسهم له، وأعطاه من سهم المؤلفة -، ويشترط أن يكون من يستعان به حسن الرأي في المسلمين، فإن كان غير مأمون عليهم، لم تجزئه الاستعانة به؛ لأننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمن من المسلمين، مثل: المخذل، والمرجف، فالكافر أولى، ووجه الأول، ما روت عائشة قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، حتى إذا كان بحرة الوبرة، أدركه رجل من المشركين، كان يذكر منه جرأة ونجدة، فسر المسلمون به، فقال: يا رسول الله، جئت لأتبعك، وأصيب معك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتؤمن بالله ورسوله؟» قال: لا، قال: «فارجع، فلن أستعين بمشرك»، قالت: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالبيداء أدركه ذلك الرجل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتؤمن بالله ورسوله؟» قال: نعم، قال: «فانطلق» (متفق عليه ورواه الجوزجاني)، وروى الإمام أحمد، بإسناده عن عبد الرحمن بن حبيب، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يريد غزوة، أنا ورجل من قومي، ولم نسلم، فقلنا: إنا لنستحيي أن يشهد قومنا مشهدًا لا نشهده معهم، قال: «فأسلمتما؟» قلنا: لا، قال: «فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين»، قال: فأسلمنا، وشهدنا معه، ولأنه غير مأمون على المسلمين فأشبه المخذل، والمرجف، قال ابن المنذر: والذي ذكر أنه استعان بهم غير ثابت. اهـ.
والله أعلم.