ما مدى اهتمام الإسلام بالعلم؟

الإسلام سؤال وجواب



  • التصنيفات: طلب العلم - الإسلام والعلم -
السؤال:

ما مدى اهتمام الإسلام بالعلم؟

الإجابة:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

خلق الله تعالى الإنسان وزوَّده بأدوات العلم والمعرفة وهي السمع والبصر والعقل؛ قال تعالى: {وَاَللَّه أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُون أُمَّهَاتكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْع وَالْأَبْصَار وَالْأَفْئِدَة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78].

والإسلام دين العلم فأول آية نزلت من القرآن، تأمر بالقراءة التي هي مفتاح العلوم؛ قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ . الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1-5].

والعلم في الإسلام يسبق العمل، فلا عمل إلا بعلم؛ كما قال سبحانه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد من الآية:19].

وقد حذر الله كل مسلم من القول بلا علم؛ فقال سبحانه: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم إِنَّ السَّمْع وَالْبَصَر وَالْفُؤَاد كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36].

وتنويهًا بمقام العلم والعلماء استشهد الله العلماء على وحدانيته؛ فقال سبحانه: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18].

ومعرفة الله وخشيته تتم بمعرفة آياته ومخلوقاته والعلماء هم الذين يعلمون ذلك ولذلك أثنى الله عليهم؛ بقوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر من الآية:28].

وللعلماء في الإسلام منزلة شريفة تعلو من سواهم في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة من الآية:11].

ولأهمية العلم أمر الله رسوله أن يطلب المزيد منه؛ فقال: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114].

وقد مدح الله العلماء وأثنى عليهم؛ بقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:9].

وأهل العلم هم أسرع الناس إدراكًا للحق وإيمانًا به: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج:54].

والإسلام يدعو إلى طلب العلم، وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم، وبيَّن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وأن العلماء ورثة الأنبياء وأن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن طلب العلم طريق إلى الجنة فقال صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقًا يطلب فيه عِلمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة» (رواه البخاري؛ كتاب العلم: [10]).

والإسلام يدعو إلى تعلم سائر العلوم النافعة والعلوم درجات فأفضلها علم الشريعة ثم علم الطب ثم بقية العلوم.

وأفضل العلوم على الإطلاق، علوم الشريعة التي يعرف بها الإنسان ربه، ونبيه ودينه، وهي التي أكرم الله بها رسوله وعلمه إياها ليعلمها الناس: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164].

وقال عليه الصلاة والسلام: «من يُرِد الله به خيرًا يُفقِّهه في الدين» (متفق عليه، أخرجه البخاري: [69]).

وفي العناية بالقرآن تعلُّمًا وتعليمًا؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلّم القرآن وعلَّمه» (أخرجه البخاري: [4639]).

ولا خير في علمٍ لا يصدقه العمل ولا في أقوالٍ لا تصدقها الأفعال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2-3].

والأمة تحتاج إلى العلماء في كل زمانٍ ومكان، وأمة بلا عِلم ولا علماء تعيش في الأوهام وتتخبط في الظلمات إذا تعلَّم الإنسان ما شرع الله، ومن كتم هذا العلم، وحرم الأمة منه ألجمه الله بلجامٍ من نارٍ يوم القيامة واستحق اللعنة إلا من تاب؛ كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ . إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:195-160].

وللعالِم ثواب عظيم والدال على الخير كفاعله وإذا مات العالم فإن أجره عند الله لا ينقطع بموته، بل يجري له ما انتفع الناس بعلمه قال عليه الصلاة والسلام: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقةٍ جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (رواه مسلم: [1631]).

وإذا نشر العالِم عِلمه بين الناس كان له مثل أجور من اتبعه قال عليه الصلاة والسلام: «من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا» (رواه مسلم: [2674]).

والفقه في الدين من أفضل خصال الخير التي يتشرف بها المسلم؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: «من يُرِد الله به خيرًا يُفقِّه في الدين» (متفق عليه).

وقراءة القرآن، وتعلُّمه وتعليمه من أفضل الأعمال؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار» (أخرجه البخاري: [73]، ومسلم: [815]).

والله تعالى أعلى وأعلم.

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

-----------------------------

من كتاب: (أصول الدين الإسلامي؛ للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري).