حكم النفقة على الزوجة التي تقيم في غير محل الزوج

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الزواج والطلاق - قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
السؤال:

أعمل أنا وزوجتي في جِهة حكوميَّة بدولة عربيَّة، زوْجتي تتقاضى راتِبها بالإضافة إلى بدل السَّكن، والذي يُصرف من جهةٍ واحدة، هي جهة عمل الزوْجة، استأْجرْنا شقَّة في الحيِّ الَّذي تعمل فيه زوجتي، وكانتْ هي ملْتزمة بدفْع إيجار الشَّقَّة؛ حيثُ إنَّها تتسلَّم بدل السَّكن، وما زالت حتَّى الآن هي التي تتسلَّم بدل السَّكن من جِهة عملِها، والآن أنا عملي يبعُد عن عملِها بأكْثَرَ من 300 كم، وطلبتُ منْها أن تنتقِل هي وأوْلادي إلى محلِّ إقامتي الحالي؛ حتَّى أتمكَّن من رعايتها وأبنائنا، وحتى أستمتِع بها استِمْتاع الزَّوج بزوْجته، وتستمتِع بي استمتاعَ الزَّوجة بزوجها، وحتى تستقرَّ أمور الأُسرة، وخيَّرتُها أن تترُك العمل وتتفرَّغ للأُسرة - وهذا هو الأفْضل - أو أن تبحثَ عن عملٍ في المنطقة التي أعمَلُ فيها الآن، إذا رغبتْ في ذلك، علمًا أنَّني تزوَّجْتُها وهي تعمل، ولا يوجد شروطٌ معيَّنة في وثيقة الزَّواج، ولم تشترِط ضرورة استِمْرارها في العمل، أو عدم منْعي لها من العمل.

نشبتْ بيْننا خلافاتٌ شديدة، ورفضتْ طاعتي، وبدأت تخْرُج إلى الأسواق والمتنزَّهات والملاهي بدون إذْني، أو حتَّى إخطاري بِخروجها، وأبْلغْتُها بأنَّ ما تفْعَلُه يُغْضِب الله - سُبحانه وتعالى - ويُعتبر عدم طاعةٍ للزَّوج، علْمًا بأنَّها تُصلِّي وتداوِم على الصَّلاة، وفي أثْناء الإجازة السنويَّة التي قضيْناها في موطنِنا الأصْلي، تدخَّل أشْخاص من أسرتي أكثرَ من مرَّة في مُحاولةٍ لإنْهاء هذه الخلافات، ولكن دون جدوى، وقُبيْل انتِهاء الإجازة اتَّصلْتُ أنا بها مُحاوِلاً إنْهاء الخلافات، ولكن أيضًا دون جدوى.

سافرتْ هي والأولاد من الموطن الأصْلي إلى جهة عملها، بدون إذْنِي أو إخْطاري بذلك، وأنا الآن أُقيم في منطقةٍ، وهِي والأوْلادُ في منطقةٍ أُخرى، امتنعَتْ هي وأوْلادي عن التَّعامُل معي أو حتَّى الحديث عبْر التليفون، وقاطعوني مُقاطعةً تامَّة، وحاولتُ أكثَرَ من مرَّة التَّواصُل معهُم ولكن دون جدوى.

والآنَ هي تُطالبُني بنفقةٍ لها وللأولاد، ودفْع إيجار الشَّقَّة بالرَّغْم من تسلُّمها بدل السَّكن، والذي يُصرف من جهةٍ عملِها هي فقط، وأنا لم أعد مقيمًا فيه، وبالرَّغم من كلِّ ذلك فأنا حريصٌ كلَّ الحِرْص على زوْجتي وأوْلادي؛ ولكن بِما يُرْضي الله - سُبحانه وتعالى.

أنا الآن متضرِّر من عدم طاعة الزَّوجة، كما أخْشى عليْهِم وعلى نفْسي من الفِتْنة، والآن زوْجتي مازالت ترفُض الطَّاعة، وترْفض الانتِقال إلى محلِّ سكني الحالي بالمنطقة التي أُقيم فيها حاليًّا؛ بحجَّة أنَّها تعمل في عملٍ لائقٍ ولا يوجد به اختِلاط، والابن يبلُغ من العمر حوالي 14 عامًا، وما زالت تَخرج إلى الأسْواق والمتنزَّهات والملاهي بدون إذْني، أو حتى إخْطاري بِخروجها، وحاليًّا لا يوجد بيْننا أيُّ اتِّصال، أو أيُّ نوعٍ من التَّواصُل، وقامت بتغيير مفتاح الشَّقَّة التي تُقيم فيها هي والأولاد؛ ولذلك لم أتمكَّن من دخول الشَّقَّة، وفضَّلت أن أصْبِر عليْها، ولم أتَّخِذ أيَّ إجْراء ضدَّها حتَّى الآن.

وأنا الآن لا أُنْفق عليْها ولا على الأوْلاد منذ بداية هذه الخلافات، فإذا أقامتِ الزَّوجة دعْوى قضائيَّة بطلب النَّفقة ودفْع إيجار الشَّقَّة، فماذا يكون التصرُّف في هذه الحالة؟ هل يَجوز لي إلزامُها هي والأوْلاد بالحضور والإقامة معي في محلِّ إقامتي الموجود بالمنطقة التي أعمل فيها حاليًّا؟

وإذا كان الشَّرع يُجيز لي ذلك وهي ترفُض طاعتي، فما الحكم الشرعي في هذه الحالة؟

أفتوني جزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن كان الأمْرُ كما ذكرتَ: أنَّ زوْجتَك ترفُض طاعتَك في الانتِقال والإقامة معك حيثُ تُقيم، وأنَّها سافرتْ هي والأوْلاد دون إذنِك، وترفض طاعتَك، وتَخرج للأسْواق والمتنزَّهات والملاهي بدونِ إذْنِك أيضًا - فإنَّ هذا يعدُّ نشوزًا منْها، وعصيانًا تَسقُط به نفقتُها، وتأثَم بذلك، وقد سبق بيانُ ذلك مفصَّلاً في الفتْويين: "للزوج أن يسافر بزوجته من بلد إلى بلد وإن كرهت"، "نشوز الزوجة"، فنرجو مراجعتَهما للأهميَّة.

وعليه؛ فالواجبُ عليْك إلْزامُها بالإقامة معك في محلِّ إقامتِك، ولا يَجوز لها الامتِناع إلاَّ إذا كان عليْها مضرَّة في ذلك، فإنْ أبَتْ بعد استِخْدام طرُق علاج النُّشوز، المبيَّنة في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34]، فتنصح برِفق ولين، فإن كفى الوَعظ فبها ونعمت، وإلا فقد أَذِنَ الشَّارع له في هجرها في الفراش، فإن لم يُفِدْ؛ انتقل إلى الضَّرب غير المبرِّح، وهو الذي لا يُشين ولا يكسر العظم..

 فعليْك أوَّلاً بالسَّعي في إصلاحِها، عن طريق توَسُّط أهل الخير؛ عسى الله أن يُصلِحَها، فإنِ استمرَّت في غَيِّهَا، فأنت مخيَّر بين أن تصبِر عليْها أو أن تُفارِق، ولأن تصبر فهو أعظم في الأجْر - إن شاء الله.

ولتعلَمْ أنَّه: لا يَجوز لتِلْك الزَّوجة ما تفعلُه ممَّا ذكرتَه عنْها من مخالفات، وأنَّها تعرِّض نفسَها لسخط الجبَّار ولعنة الملائِكة، كما أنَّه يجب عليْها أن تمكِّنَك من صلة أبْنائِك، ولا تفسدهم أو تخببهم عليك.

ولمزيد فائدة يراجع الفتويين: "حكم طاعة المرأة زوجها في الإنجاب"،

"مشروعية الشروط المتفق عليها في العقد أثناء الزواج"،،

والله أعلم.