حكم المسح على الجوارب الخفيفة
عبد المحسن بن عبد الله الزامل
الجورب الذي نستعمله الآن خفيف يجوز المسح عليه، هل المقصود الجراميك التي كان يستعملها الصحابة، رضوان الله عليهم؟
الجرموك هو الخفاف، تكون من جلد وتكون يعني فوق الكعب، وهنالك أنواع من الجوارب تكون من غير الجلد، والصواب أن كل ما يسمى تسخانًا سواء كان من الجلود، أو من القطن، أو من الكتان، فإنه يمسح عليه، إلا ما كان يصف البشرة، في لونها من سواد أو حمرة، هذا هو الذي وقع فيه الخلاف، منهم من جوز، ومنهم من منع، أما ما يتعلق بالسؤال التي كان يمسح عليه الصحابة، هي الخفاف والجوارب، وجاء ما يدل على المسح على ما سوا الجلود، وإن المسح على الجورب والنعلين،
كما في حديث المغيرة وقع فيه خلاف، لكن ثبت عن جمع الصحابة رضي الله عنهم، موقوف عليهم، (1)كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله، وقال نحن نحتج بما ثبت عن الصحابة، والحديث الوارد في هذا الباب حكم عليه كثير من الأئمة بالشذوذ، ونحن لا نحتج به إنما نحتج بما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: «
»أخرجه أبو داود (159) والترمذي (99) والنسائي ((الكبرى))(1/92/130) ، وابن ماجه (559) وأحمد (4/252) وابن أبى شيبة (1973و36353 ) وابن خزيمة (198) ومسلم في التمييز (ص202)، وابن حبان (1338) من طرق عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي قَيْسٍ الأَوْدِيِّ ـ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَرْوَانَ ـ عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيـلَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ” قال أَبو عِيسَى الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَقُ. قَالُوا: يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَعْلَيْنِ، إِذَا كَانَا ثَخِينَيْنِ، ووافق الترمذي على تصحيحه: ابـن خزيمة، وابن حبان، وطائفة ممن دونهما، وخالف هؤلاء جماعة من الأئمة الأثبات، فقالوا بشذوذ الحديث لتفرد أبى قيسٍ به، ومخالفته عامة الرواة عن المغيرة: ”أن النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ“، وقالوا: هذا هو المحفوظ عنه، وما عداه فهو منكر أو شاذ. قال الإمام مسلم التمييز (ص204): أخبرنى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذَ عَنْ عَلِيِّ بْنُ الْحَسَنِ بن شَقِيقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ: عرضت هَذَا الْحَدِيْث عَلَى الثوري، فَقَالَ: لَمْ يجئ بِهِ غَيْرُه، فعَسَىَ أنْ يَكُوْن وهماً. وقـال أبو عبد الرحمن عبد الله بـن أحمد في العلل ومعرفة الرجال (3/366/5612): حدَّثت أبي بحديث الأشجعي ووكيع عن سفيان عن أبي قيس عن هزيل عن المغيرة بن شعبة قال : مَسَحَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ. قال أبي: ليس يروى هذا إلا من حديث أبي قيس، قال أبي: أبى عبد الرحمن بن مهدي أن يحدِّث به، يقول : هو منكر ـ يعني حديث المغيرة هذا ـ لا يرويه إلا من حديث أبي قيس، وقَالَ أَبو دَاود: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ لا يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، لأَنَّ الْمَعْرُوفَ عَنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، وقَالَ أَبو عَبْد الرَّحْمَنِ النسائى: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ أَبَا قَيْسٍ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، وَالصَّحِيحُ عَنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وقال أبو الحسن الدارقطنى فى العلل (7/112/1240)، وسئل عن هـذا الحديث فقال: وهو مما يُغمز عليه به ـ يعنى أبا قيسٍ ـ، لأن المحفوظ عن المغيرة: المسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ،
فهؤلاء أكابـر الأئمة الثقات الأثبات، وعلى رأسهم: سفيان بن سعيد الثورى، وهو راوى الحديث، وعبد الرحمن بن مهدى، وعلى بن المدينى، وأحمد بن حنبل، وابن معين، ومسلم بن الحجاج، وأبو داود، والنسائى، والدارقطنى، والبيهقى، أطبقوا على شذوذ حديث أبى قيسٍ، ومخالفته للمحفوظ عن المغيرة، وهو المسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ. قَالَ الإمام النووي في المجموع (1/500): وهؤلاء هم أعلام أئمة الْحَدِيْث، وإن كَانَ الترمذي قَالَ: حَدِيْث حسن صَحِيْح، فهؤلاء مقدمون عَلَيْهِ. قلت: الذي يظهر أن من استنكر هذا الحديث احتج بالأتي:
الأول: مخالفة أبى قيس الأودى للثقات على متنه مع تفرده، ولهذا ذكر ابن أبى حاتم فى ترجمته من الجرح والتعديل (5/218): كتب إلىَّ عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل قال: سألت أبى عن أبى قيس عبد الرحمن بن ثروان، فقال: روى عنه الأعمش وشعبة، وهو يخالـف في أحاديثه. وسألت أبى عنه، فقال: ليس بقوي، هو قليل الحديث، وليس بحافظ. قيل له: كيف حديثه؟ ، قال: صالح هو لين الحديث، وقال ابن حجر في التقريب (1/337): صدوق ربما خالف.
الثاني: الاعتبار بالمحفوظ عن المغيرة من رواية الثقات الأثبات عنه: ”أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ “حتى رواه عنه الجمع الغفير، ثلاثة وثلاثون نفساً أو يزيدون.
ومع الحكم على حديث المغيرة فى (المسح على الجوربين والنعلين) بالشذوذ، فإن العمل عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم، على جواز المسح عليهما، قـال أَبو عِيسَى الترمذى: وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَقُ. قَالُوا: يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَعْلَيْنِ، إِذَا كَانَا ثَخِينَيْنِ) قال أبو بكر بن المنذر في الأوسط (1/462): روى المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: علي، وعمار، وأبي مسعود الأنصاري، وأنس، وابن عمر والبراء، وبلال، وعبد الله بن أبي أوفى، وسهل بن سعد. وأثبت عبد الرزاق فى مصنفه (1/201:199)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (1/173:171) المسح على الجوربين والنعلين عن عمر بن الخطاب، وسعد بن أبى وقاصٍ، وعمرو بن حريث، وابن مسعود، وابن عباس رضي الله عنهم، فالعمدة في الجواز على هؤلاء رضي الله عنهم أجمعين، لا على حديث أبي قيس.