هل يجب على المسافر صلاة الجمعة فى البلد المسافر إليها؟

عبد المحسن بن عبد الله الزامل

  • التصنيفات: فقه الصلاة -
السؤال:

هل يجب على المسافر صلاة الجمعة في البلد التي يسافر إليه؟

 

الإجابة:

جمهور العلماء يقولون لا تجب عليه الصلاة، بل حكاه بعضهم إجماعاً، وذكر ابن المنذر رحمه الله شيئًا من هذا، وهذا الكلام في الحقيقة فيه نظر، بل البخاري رحمه الله ظاهر كلامه في الصحيح، أنه تجب الجمعة، وهو قول صح عن الزهري، كما عند البخاري معلقًا مجزومًا به، وصح عند عبد الرزاق في المصنف، وروي كذلك عن الأوزاعي، وقول جمع من أهل العلم، في وجوب الجمعة، كذلك قول ابن حزم، وهذا هو ظاهر الأدلة، والمسألة فيها كلام كثير لأهل العلم، وأدلتها التي تدل على الوجوب، عموم الأدلة، والجمهور لم يذكروا دليلًا بينًا في الحقيقة، إلا أنهم قالوا أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يصلي الجمعة إذا سافر، نقول هو لم يكن يقيم الجمعة في سفره، إنما الكلام أن المسافر النازل يصلي مع الناس، أما أن يقيم الجمعة هذا لا يشرع، بل لا تصح عند جماهير العلماء، أن يقيم المسافر الجمعة في سفره، لكن هو يصلي تبعًا لغيره، فهو تابعٌ لغيره، فوجبت عليه تبعًا لغيره، فهي واجبة بالتبع، وثم هو من أهل البلد، ويسمع النداء “حي على الصلاة، حي على الفلاح” كيف يقال لا يجيب وهو يسمع النداء.

ثم الأدلة عامة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [سورة الجمعة: 9]. إلي داخلا في النداء، من يقول إن المسافر خارج منها، مخصوص من هذا النداء،  من يقول إن المسافر مخصوصٌ من قوله عليه الصلاة والسلام «من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له» (1). وكذلك قوله: «أتسمع النداء، قال: أجب» (2).

ولم يأت في حديث واحد صحيح عنه عليه الصلاة والسلام تخصيص المسافر، بل ظاهر الأدلة العموم، ثم قد علم أن البلد في الغالب خاصة المدينة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، يكثر من يقدم إليها من المسافرين، ولم ينقل في قول أحد أنه استثنى عليه الصلاة والسلام أحدًا من شهود الجمعة، كانوا يقدمون جموع كثيرة، ويصلون معه، ويشهدون على الصلاة، ومثل هذا الحكم بحاجه إلى أن يذكر وأن يبين، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فهم يسمعون كلامه سبحانه وتعالى في إجابة الجمعة، ويسمعون قوله عليه الصلاة والسلام ويخاطب ابن أم مكتوب في اللفظ الآخر عند مسلم الرجل الأعمى. «أتسمع النداء، قال: أجب»،ـ وما كان خطابًا لواحد هو خطاب للجميع، فلا نقول هذا الحكم خاص بالمسافر دون المقيم، ولهذا لما كان المسافر يقصر قال سبحانه وتعالى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [سورة النساء: 101]. نص سبحانه وتعالى على المسافر, وإلا لكان المسافر يتم الصلاة، فجاء التخصيص للمسافر، كذلك النبي عليه الصلاة والسلام لما سافر صام وأفطر، وإلا فالأصل هو وجوب الصوم {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [سورة البقرة: 185]. فلما صام وأفطر عليه الصلاة والسلام في سفره، دل على أن المسافر الصائم له الرخصة في الصوم والفطر، والأفضل في الصوم والفطر هذه لها أحوال، فالمقصود أن الأدلة عامة، وكما قال شيخ الإسلام رحمه الله في بعض كلامه: “لا ينبغي أن يكون رجلٌ من المسلمين في البلد يسمع النداء ويقول لا أصلي معهم لأني مسافر” بل عليه الصلاة، إلا أنه يعذر المسافر، ويوسع له ما لا يوسع للمقيم، فإذا حصل عليه مشقة، وجاء لقضاء حاجة، وكانت صلاته في المسجد سببًا في تأخره عن حاجته، في هذه الحالة يعذر، لأنه لو أمر بأن يصلي على هذا الوجه ربما امتنع من سفره، ربما أحدهم يقول لا فائدة من سفره ما دمت أؤمر بصلاة الجماعة، لأنه لا يتحقق لي حاجتي.

وكذلك أيضا صلاة الجماعة، نقول إذا كانت الصلاة سببًا في فوات حاجته التي سافر من أجلها، ففي هذه الحالة لا تحصل معاني الرخص التي رخصت له في سفره، ولهذا المسافر رخص له، ووسع له، لأجل أن  يتيسر له حصول حاجاته في سفره، فإذا كان هذا في سفره، كذلك أيضا إذا كان في البلد، وبعض أهل العلم فرق بين ما إذا جلس مدًة ينقطع بها مسمى السفر، على الخلاف في هذا، أربعة أيام، وخمسة عشر يوم، وتسعة عشر يوم، وهذه مسألة أخرى، ولكن من حيث الجملة، الواجب عليه أن يصلي، هذا هو ظاهر النصوص، وظاهر الأدلة، وقولٌ جيدٌ، وهو قولٌ عليه جمعٌ من أهل العلم كما تقدم، وقد ورد أحاديث رواه الدار قطني وغيره، أنه عليه الصلاة والسلام قال: «لا جمعة على مسافر» (3) وذكر منهم المرأة والصبي والصغير والمسافر، فهذه الأحاديث لا تصح، ولو صحت فالمراد بالنفي لكل شخصٍ ما يناسب، فالمرأة معلوم أنها ولو كانت في البلد، والمسافر معلومٌ أن المراد وصف السفر، فلا جمعة عليه أنه مادام سائرًا، معناه لا يقيم الجمعة، لأن الرسول لم يكن يقيم الجمعة، أما إذا كان في البلد فهو لا يقيم الجمعة، هو يصلي تبعًا لغيره، هذا لو فرض أنه صح الحديث مع أن الخبر ضعيف جدًا لا يثبت.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه ابن ماجه ( 793 ) والطبراني في ( المعجم الكبير ) ( 3 / 154 / 2 ) والحاكم ( 3 / 174 ) وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي ، وقال الحافظ في  بلوغ المرام  ( 2 / 27) : وإسناده على شرط مسلم لكن رجح بعضهم وقفه.

(2) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب المساجد (1518).

(3) جاء من حديث حديث تميم الّدّاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” «الجمعة واجبة إلا على امرأةٍ ، أو صبيٍ ، أو عبدٍ، أو مسافرٍ، أو مريضٍ» أخرجه البخاري في” التاريخ الكبير” (2/ 337)، والبيهقي في ” السنن الكبرى ” (3/ 183، 184) والطبراني في ” المعجم الكبير” (2/ 51) رقم (1257) وفي ”الأوسط” (6/ 317) رقم (5675)

كلهم من طريق محمد بن طلحة، عن الحكم بن عمرو، عن ضرار بن عمرو، عن أبي عبدالله الشامي، عن تميم الدّاري،
وهذا إسناد ضعيف جدا لايصلح للاعتبار به، وفيه ثلاث علل:
الأولى: أبو عبدالله الشامي قال ابن القطان: مجهول، وضعفه الأزدي، وقال الذهبي: لا يُعرف.
الثانية: ضرار بن عمرو الملطي قال يحيى بن معين: لا شيء، وقال البخاري: فيه نظر،

الثالثة: الحكم بن عمرو أحسبه الجزري، أبو عمر، فإن كان هو فقد قال عنه أبو حاتم: شيخٌ مجهول ٌ”.
وقال الأزدي: كذَّابٌ ساقِطٌ. وقال ابن معين: ليس بشىءٍ لا يكتب حديثه، وقال مرّة: ضعيف، وكذا قال النسائي، ويعقوب بن سفيان وأبو حاتم.
وقد قال أبو حاتم الرازي نقلاً عن ”العلل لابن أبي حاتم” رقم (613): هذا حديث منكر” .

وجاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمسةٌ لا جمعة َ عليهم: المرأةُ، والمسافرُ، والصَّبيُّ، وأهل الباديةِ»
أخرجه الطبراني في ”الأوسط” (1/ 161) رقم (204)، والدارقطني في ”غرائب مالك” كما في ”لسان الميزان” (1/ 73)، قال الطبراني: لم يَرْوِ هذا الحديث عن مالك إلا إبراهيم بن حماد بن أبي حازم. وقال الدارقطني: تفرد به إبراهيم وكان ضعيفاً.

وجاء حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فعليه الجمعة، إلا مريض، أو مسافر، أو امرأة، أو صبي، أو مملوك».
أخرجه الدارقطني (2/ 3)، والبيهقي في ”السنن الكبرى” (3/ 184) وابن عدي في ”الكامل” (6/ 2425)، وأبو نعيم في ”ذكر أخبار أصبهان” (2/ 295 ـ 296)، وابن الجوزي في ”التحقيق” (1/ 501) رقم (788) جميعاً من طريق ابن لهيعة، ثنا معاذ بن محمد الأنصاري، عن أبي الزبير، عن جابر به، وهذا سند ضعيف، فيه ابن لهيعة وهو ضعيف، وشيخه معاذ بن محمد الأنصاري ضعيف، قال العقيلي:
”في حديثه وهم” ، وقال ابن عدي: منكر الحديث “وللحديث شواهد عن مولى لآل الزبير، وابن عمر، ومحمد بن كعب القرظي وكلها ضعيفة ومنها  من ضعفها ضعفاً شديداً  لاتصلح للاعتبار.