قول الرجل لزوجتِه: "أنت محرَّمة عليَّ إلى يوم الدين"
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية - أحكام الطلاق -
قال أحدُهُم لزوجتِه: "أنت محرَّمة عليَّ إلى يوم الدين"، فهل هذا يعدُّ ظهارًا؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقول الزَّوج لزوجتِه: "أنت محرَّمة عليَّ إلى يوم الدِّين": يمين مكفَّرة وليس بطلاق ولا ظهار، وهُو قول أكثَر الصَّحابة، وقال بعضهم: إنَّه يَمين مغلَّظة كالظِّهار، وهو مذهَب أحمد.
وروى البخاري عن ابنِ عبَّاس - رضي الله عنْهما - قال في الحرام: "يكفّر"، وقال ابن عباس: "لقَدْ كان لكُم في رسولِ الله أُسْوةٌ حسنة".
وروى مسلِم عنه قال: إذا حرَّم الرَّجُل عليْه امرأتَه، فهي يَمين يُكَفِّرُها، وقال: لقدْ كان لكم في رسولِ الله أُسْوةٌ حسنة".
وعن أنسٍ - رضِي الله عنْه -: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - كانت له أَمَة يطؤُها، فلَم تزلْ به عائشةٌ وحفْصة حتَّى حرَّمها، فأنزل اللهُ - عزَّ وجلَّ -: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ} [التحريم: 1]؛ صححه الألباني في صحيح النسائي.
قال ابن القيِّم في "الزاد": "... قال اللَّيث بن سعد: عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبدالله بن هبيرة، عن قبيصة بن ذؤيب، قال: سألتُ زيدَ بن ثابتٍ وابنَ عُمَر - رضِي الله عنْهم - عمَّن قال لامرأتِه: أنتِ عليَّ حرام، فقالا جميعًا: كفَّارة يمين.
وقال عبدالرزَّاق عن ابن عُيَينة عن ابن أبي نجيح، عن مُجاهدٍ عن ابن مسْعود - رضِي الله عنْه - قال في التَّحريم: "هي يمين يكفِّرها". ومجاهد لم يسمع من ابن مسعود.
قال ابن حزم: وروي ذلك عن أبي بكر الصدِّيق، وعائشة أمِّ المؤمنين، وقال الحجَّاج بن منهال: حدَّثنا جريرُ بن حازم قال: سألتُ نافعًا مولى ابْنِ عُمر - رضِي الله عنْه - عن الحرام، أطَلاق هو؟ قال: لا، أوَلَيس قد حرَّم رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - جاريتَه، فأمره الله - عزَّ وجلَّ - أن يكفِّر عن يمينِه، ولم يحرِّمْها عليه؟!
وقال عبدالرزَّاق: عن معمر عن يحيى بن أبي كثير وأيّوب السخْتياني، كلاهُما عن عِكْرمة: أنَّ عُمَر بن الخطَّاب قال: "هي يَمين"؛ يعني: التَّحريم. وعكرمة لم يسمع من عمر.
وقال إسماعيل بن إسحاق: حدَّثنا المقدمي، حدَّثنا حمَّاد بن زيد عن صخر بن جويْرية، عن نافع عن ابن عُمَر - رضي الله عنْهما - قال: "الحرام يمين". اهـ.
قال شيخ الإسلام: "إذا حلف الرَّجُل بالحرام فقال: الحرام يَلْزَمني لا أفعل كذا، أو الحِلُّ عليَّ حرام لا أفعل كذا، أو ما أحلَّ اللهُ عليَّ حرامٌ إن فعلت كذا، أو ما يحلُّ للمسلمين يَحرم عليَّ إن فعلت كذا، أو نحو ذلك، وله زوجة - ففي هذه المسألة نِزاعٌ مشْهور بين السَّلَف والخَلف؛ ولكنَّ القول الرَّاجح: أنَّ هذه يَمين من الأيْمان، لا يلزَمُه بها طلاق، ولو قصد بِذلك الحلِفَ بالطَّلاق، وهذا مذهب الإمام أحمد المشْهور عنْه، حتَّى لو قال: أنتِ عليَّ حرام - ونوى به الطلاق - لم يقع به الطَّلاق عنده".
وقال الشَّيخ العُثَيْمين في "سلسلة لقاءات الباب المفتوح": "فإن حرَّم امرأتَه بلا ظِهار بأنْ قال لها: أنتِ عليَّ حرام، فهل هو ظِهار، أو طلاق، أو يَمين؟ في هذا خِلافٌ بين العُلماء - رحِمهم الله - والصَّحيح أنَّه يَمين، فإذا قال الرَّجُل لزوْجَتِه: أنتِ عليَّ حرام، فهو يَمين؛ لدخولِها في عموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ} [التحريم: 1-2].
وبيَّن الله - عزَّ وجلَّ - أنَّ تحريم الحلال يَمين، قد فرض الله لكم تحلَّة أيمانِكم، فتحريم الحلال يمين، لا فرْق فيه بين الزَّوجة وغيره، قد يقول قائل: إنَّ التحريم إذا قال لزوجتِه: "أنتِ عليَّ حرام" مثل "أنت عليَّ كظهر أمي"؟
والجواب: أنَّ هذا خطأ؛ لأنَّه إذا قال: أنتِ عليَّ كظهْر أمي، فقد شبَّه أحلَّ شيء له في الاستِمْتاع بأحْرَم شيءٍ عليْه، ثمَّ إنَّ فيه استخفافًا بالشَّريعة أن يشبِّه هذا بهذا، ثمَّ إنَّه قد يكون فيه أيضًا استِهانة بالأم أن يَجعل الزَّوجة مثلها، فعلى كلِّ حال، الفرق بين العبارتين واضح، والحكم الشرعي بيْنهما في الفرْق بينهما واضح، فقد جعل الظِّهار له حكمٌ، وجعل الله التَّحريم له حكمٌ آخرُ.
فهذا القول هو الرَّاجح: أنَّ تحريم الزَّوجة كتحريم غيرها يمين، فهو كما لو قال: حرامٌ عليَّ أن ألبس هذا الثَّوب، ثمَّ لبسه، نقول: عليك كفَّارة يمين، فإن قال لزوجتِه: أنتِ عليَّ حرام، ثمَّ جامَعَها، نقول: عليْه كفَّارة يَمين ولا فرق".
وعليه، فمن قال لزوجته: أنت محرمة علي إلى يوم الدين، فعليه كفارة يمين، وهي ما ورَدَ في قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89].
ويُرْجَى مراجعة فتوى: "قول الرجل: عليَّ الحرام من ديني"،،
والله أعلم.