ما معنى حديث “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدو ألا إله إلا الله”؟

عبد المحسن بن عبد الله الزامل

  • التصنيفات: شرح الأحاديث وبيان فقهها -
السؤال:

ما معنى حديث: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله»؟

 

الإجابة:

هذا واضح، الحديث ظاهر، بين، ومن محكم القول، قوله عليه الصلاة والسلام، وهكذا سائر أقواله صلوات الله وسلامه عليه، ظاهرة، بينه، من جوامع الكلم، وهذا في الصحيحين من حديث ابن عمر «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة» (1).

وثبت أيضا في الصحيحين من حديث أبي هريرة معناه أنه عليه الصلاة والسلام قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله» (2). وذكر أيضا بعد ذلك أنه من ترك شيئًا إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وفي لفظ آخر عند مسلم «ويؤمنوا بي وبما جئت به» (3). وهذا والله أعلم لفظ ابن عمر.

ابن عمر فيه ذكر الصلاة والزكاة مع الشهادتين، وكذلك في حديث جابر في صحيح مسلم (4) مثل حديث أبي هريرة رضي الله عنهم جميعا، وهذا واضح، المعنى أنه يجب قتال أهل الشرك حتى يظهر الدين، حتى تكون كلمة الله هي العليا، هذا هو الواجب.

لكن ليس معنى ذلك أنه يُقاتَل حتى يسلم؟، لا، المعنى المراد والله أعلم في هذا الحديث، حتى يظهر الدين، وذلك أن الذين يقاتلون إما أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، فالحمد لله حصل المقصود الأعظم وهو إسلامهم، وإما أن يكفوا شرهم عن أهل الإسلام بالجزية.

كما دلت على ذلك النصوص، {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29]. 

و{حَتَّى} للغاية، هذا يبين أيضا هذا المعنى، وأن من يقاتل إذا شهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وهذا هو الغاية العظمى، وهو السعادة، والنبي عليه الصلاة والسلام ذكر الغاية والمقصود من الرسالة والنبوة، هو ظهور الدين.

وإذا لم يسلم ففيه خلاف هل هو عام في جميع الكفار أخذ الجزية، أو هو خاص بأهل الكتابين، هذا فيه خلاف بين أهل العلم، ولذا رجح ابن القيم رحمه الله في أحكام أهل الذمة (5) –رحمة الله عليه- في أول الكتاب أو في آخره، أن الجزية تؤخذ من عموم الكفار، كما تؤخذ من اليهود والنصارى، وهذا هو ظاهر حديث بريدة في صحيح مسلم  (6). 

والمسألة فيها كلام، وهذا القول قوي، فالشاهد أن الأظهر والله أعلم حتى يذعن من يذعن بالجزية، وحتى يقاتل ويقتل من أبى ذلك، الإسلام والجزية، فهذا أو هذا، كما أنه يجري بين أهل الإسلام، وبين الكفار عهد وسلم، لأن هنالك أدلة أخرى تدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام حارب وسالم وعاقد العقود بينه وبين الكفار، فهذا الخبر في حال القتال.

لكن هنالك أحوال أخرى ربما يكون السلم بيننا وبين الكفار، ربما يطول وربما يقصر، وربما ننبذ إليهم، حتى ولو كان قبل  كما قال سبحانه: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال:58]. إشارة إلى أنهم إذا ظهرت منهم الخيانة، بطل العقد الذي بيننا وبينهم.

لكن لا تبادر بقتالهم حتى تكون أنت وهم على سواء، تستوي معهم في العلم، فيعلمون أنك نبذت إليهم، تقول لا عهد بيننا وبينكم، لأنه لا عهد لكم، هذا إذا بدرت منهم الخيانة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه  البخاري  (1399) و (6924) (7284) (7285) ، ومسلم (20) عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه. وعن عبدالله بن عمر أخرجه  البخاري (25)؛ ومسلم (22) من حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنه. ومن حديث أنس رضى الله عنه عند البخاري (392).

(2) أخرجه البخاري (6924)، (6925) مسلم (133).

(3) أخرجه مسلم (135) من حديث أبي هريرة رضى الله عنه.

(4) أخرجه مسلم (37) من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضى الله عنه.

(5) انظر أحكام أهل الذمة (1/ 95).

(6) مسلم في صحيحه (1731) من حديث بريدة ببن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه.