فتح منتدى للمناظرات

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: الدعاة ووسائل الدعوة -
السؤال:

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

شيوخَنا الأفاضِل، السَّلام عليْكم ورحْمة الله وبركاته

عقدتُ العزْمَ - بعد إذْن الله، سبحانه وتعالى - على فتْح منتدًى للمناظرات مع أصْحاب الأفْكار والمذَاهب المنحرِفة؛ مثل الشِّيعة والخوارج والأشاعِرة والمُلْحِدين وغيرِهم، على سبيل الدَّعوة إلى المنهَج الصَّحيح.

فما قولُكم في ذلك؟ وهل أكون آثِمًا لو تأثَّر أحدٌ بما يَحويه المنتدى؟

علمًا بأنِّي أنوي وضْع رسائلَ تَحذيريَّة للدَّاخل للمنتدى حوْل هذا الأمر.

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّ فتح منتدى للرَّدِّ على المخالفين في العقيدة ودحْض شُبَهِهم يعتبر من الجهاد في سبيل الله، بشرْطِ أن يكون القائمون على ذلك المنتدى، والموكلون بمناظرة هؤلاء - لَهم القُدْرة الكافية على مُجادلتِهم ودحْض شُبههم، وردِّ افتراءاتهم، وتفنيد ادِّعاءاتِهم، وقطْع حُجَجِهم، وبيان الحقِّ لهم، ودعوتهم إلى الله بعلمٍ وفهمٍ صحيح؛ لأنَّه لا ينبغي أن يتصدَّى لذلك إلاَّ مَن له حصانة إيمانيَّة قويَّة، وأهليَّة علمية حقيقيَّة؛ حتَّى لا يتأثَّر بما هم عليه من باطل؛ قال تعالى: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التَّوبة: 122].

وقد أمر الله بالجِدال على لسان رسولِه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - كما روى أنس بن مالك قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -:
«جاهِدوا المشركين بأموالِكم وأنفسكم وألسنتكم»؛ رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وفيه إيجاب المناظرة كإيجاب الجِهاد والنفقة في سبيل الله.

قال أبو محمد بن حزْم في "
الإحكام" تعليقًا على هذا الحديث: " وهذا حديث في غاية الصحَّة وفيه الأمر بالمناظرة، وإيجابها كإيجاب الجهاد والنفقة في سبيل الله، وقد حضَّ الله تعالى على المجادلة بالحقِّ، وأمر بطلب البرهان؛ فقد صحَّ أنَّ طلب الحجَّة هي سبيل الله - عزَّ وجلَّ - بالنَّصِّ الذي ذكرنا، أنَّ مَن نهى عن ذلك وصدَّ عنه فهو صادٌّ عن سبيل الله تعالى بلا تأْويل؛ إلاَّ على عين النَّصِّ الوارد من قبل الله تعالى، وبالله نعتصم.

وقال تعالى: {
مَا كَانَ لأَهْلِ المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ} [التوبة: 120].

ولا غيْظ أغْيَظ على الكفَّار والمبطِلين من هتْك أقْوالِهِم بالحجَّة الصَّادعة، وقد تُهزم العساكر الكبار، والحجَّة الصَّحيحة لا تُغْلَب أبدًا، فهي أدْعى إلى الحق، وأنصر للدِّين من السِّلاح الشَّاكي والأعداد الجمَّة، وأفاضل الصَّحابة الَّذين لا نظير لهم إنَّما أسلموا بقيام البراهين على صحَّة نبوَّة محمَّد - صلَّى الله عليْه وسلَّم - عندهم، فكانوا أفضلَ مِمَّن أسلم بالغلبة، بلا خلاف من أحدٍ من المسلمين.

وأوَّل ما أمَرَ اللهُ - عزَّ وجلَّ - نبيَّه محمَّدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يدْعو له النَّاس بالحجَّة البالغة بلا قتال، فلمَّا قامت الحجَّة وعاندوا الحقَّ، أطْلق الله - تعالى - السيف حينئذٍ؛ قال تعالى: {
قُلْ فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149].

وقال تعالى: {
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18].

ولا شكَّ في أنَّ هذا إنَّما هو بالحجَّة؛ لأنَّ السَّيف مرَّة لنا ومرَّة عليْنا، وليْس كذلِك البرهان؛ فهو لنا أبدًا، ودامِغٌ لقَوْلِ مُخالِفِينا، ومُزْهِق له أبدًا". اهـ. مختصرًا.

وأمَّا إن كان القائمون على ذلك المنتدى على غيْرِ ما ذكرْنا، وغير متخصِّصين أو لا يمتَلِكون فنون المناظرة - فلا يجوز إنشاؤُه؛ لأنَّ إنشاءَه في هذه الحالة سوف يكون سببًا في خلْط الحقِّ بالباطل، وصدِّ المسلمين عن دينهم؛ بل سيكون مرتعًا لأهْل الملل الكافِرة والمذاهب الهدَّامة، ومسرحًا لدعْوة النَّاس إلى الباطل؛ قال تعالى: {
وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]، فضلاً عن تَمكين المبتدعة الضلاَّل من أهل السنَّة الأبطال، وهكذا يكون صاحب تلك الفِكْرة أضرَّ من حيث أراد النَّفع،،

والله أعلم.