الصلاة في شرعنا وشرع من قبلنا

  • التصنيفات: فقه الصلاة -
السؤال:

أولى القبلتين يقصد بها المسجد الأقصى وعندما فرضت الصلاة على النبي أصبحت القبلة  هي الكعبة، سؤالي هو: هل كان هناك صلاة قبل عهد الرسول، وكيف كانت، هل هي مثل صلاتنا الحالية أم لا  أفيدوني؟ 

 

الإجابة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد اختلف أهل العلم هل كانت قبلة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة أو إلى بيت المقدس أولاً؟ قال القرطبي رحمه الله في التفسير: واختلفوا أيضاً حين فرضت عليه الصلاة أولاً بمكة، هل كانت إلى بيت المقدس أو إلى مكة، على قولين، فقالت طائفة: إلى بيت المقدس وبالمدينة سبعة عشر شهراً، ثم صرفه الله تعالى إلى الكعبة، قاله ابن عباس.انتهى.

ثم يقول القرطبي أيضا مشيراً للقول الثاني: وقال آخرون: أول ما افترضت الصلاة عليه إلى الكعبة، ولم يزل يصلي إليها طول مقامه بمكة على ما كانت عليه صلاة إبراهيم وإسماعيل، فلما قدم المدينة صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، على الخلاف، ثم صرفه الله إلى الكعبة، قال أبو عمر: وهذا أصح القولين عندي. قال غيره: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أراد أن يستأنف اليهود فتوجه إلى قبلتهم ليكون ذلك أدعى لهم، فلما تبين عنادهم وأيس منهم أحب أن يحول إلى الكعبة فكان ينظر إلى السماء، وكانت محبته إلى الكعبة لأنها قبلة إبراهيم، عن ابن عباس، وقيل: لأنها كانت أدعى للعرب إلى الإسلام، وقيل: مخالفة لليهود. انتهى. 

فلعل المسجد الأقصى يوصف بأنه أولى القبلتين لأنه القبلة الأولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمته قبل أن يؤمر بالتوجه إلى البيت الحرام باعتبار القول الأول، أما على القول الثاني فالقبلة الأولى والأخيرة هي بيت الله الحرام، ولا تسليم بوصف المسجد الأقصى بأنه القبلة الأولى. 

هذا عن التسمية، وأما الصلاة قبل عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكانت مفروضة على الأمم السابقة وإن اختلفت من أمة إلى أمة في العدد والكيفية والشروط والهيئات، ويدل عليه قوله تعالى حكاية عن إسماعيل عليه الصلاة والسلام:  {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم:55]، وقوله تعالى:  {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران:43]، ولما روى البخاري عن جابر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:  «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل....» الحديث.

قال في فيض القدير: قوله (مسجدا) أي محل سجود ولو بغير مسجد وقف للصلاة فلا يختص بمحل بخلاف الأمم السابقة فإن الصلاة لا تصح منهم إلا في مواضع مخصوصة من نحو بيعة أو كنيسة، فأبيحت الصلاة لنا بأي محل كان. انتهى.

وقال في الفواكه الدواني: بهذا علم الفرق بين الرخصة والعزيمة وهو من خصائص هذه الأمة لأن الأمم السابقة لا تصلي إلا بالوضوء، كما أنها كانت لا تصلي إلا في أماكن مخصوصة يعينونها للصلاة ويسمونها بيعا وكنائس وصوامع، ومن عدم منهم الماء أو غاب عن محل صلاته يدع الصلاة حتى يجد الماء أو يعود إلى مصلاه. انتهى.

وقال العدوي المالكي في حاشيته: قوله (جعلت صفوفنا.. إلخ) أي صفوفنا في المساجد في الصلوات كصفوف الملائكة في السماء في الصلاة، قال الحلبي: والأمم السابقة كانوا يصلون متفرقين كل واحد على حدته. انتهى. 

فمن هذه النصوص تبين أمران: الأول: أن الصلاة كانت مفروضة على الأمم السابقة. 

الثاني: أنها تختلف من أمة إلى أخرى.

 ونختم هذا الجواب بفائدتين: 

الأولى: أن الصلاة فرضت -على نبينا- ليلة الإسراء قبل الهجرة بنحو خمس سنين، وقيل: ست، وقيل: بعد البعثة بنحو سنة، قاله المرداوي في الإنصاف.

والفائدة الثانية: ذهب جماعة إلى أنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة، إلا ما وقع الأمر به من صلاة الليل من غير تحديد، وذهب الحربي إلى أن الصلاة كانت مفروضة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، وذكر الشافعي عن بعض أهل العلم أن صلاة الليل كانت مفروضة ثم نسخت بقوله تعالى: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل:20]، فصار الفرض قيام بعض الليل، ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس. قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري 554/1.

والله أعلم.